إلى الشهيد فنان الكاريكاتير"ناجي العلي"
...................
من عين* الحلوة كان يرى الشجرة*
يكاد يكون ناجي العلي من الرموز التي استعصت على زنزانة الذاكرة,على اعتبار أن الذاكرة, ثلاجة لحفظ الأسماء والصور والمشاهد والأحداث, فهو ليس اسماً , لأن قطرات الدم التي تقطر من ريشته أكثر تعبيراً ودلالة من اسم يذيّل في الطرف السفلي من اللوحة, وهو ليس صوراً , لأن الصورة مسكونة بالجمود ولا تراعي تطور الصراع, وهو ليس مشهداً , لأن المشهد, مجموعة من الصور تُشتت وتُجزئ الحدث, وهو بالتأكيد, ليس حدثاً ’ لأن الحدث يُصنع, وناجي العلي لم يكن في يوم من الأيام قابلاً للتشيؤ والاحتواء والتأطير أنه صانع الحدث.
كان يحب الفوضى, لأنها نقيض النظام بجمعه الضدي" أنظمة" والتي هي مع الفقراء كالماء والزيت, لايمتزجان, إلا إذا كان أحدهما مغشوشاً بفعل الذات, والفقير عادة لا يغش ذاته, إذن فالغش كل الغش من الأنظمة, بكل تدرجها اللوني.
كل الناس خرجوا من الأرحام إلا ناجي العلي,فقد خرج من الشجرة,زيتون, تفاح,ليمون, خروب, سنديان, لا أحد يعرف, لكن الكل يعرف أن فرعها في سماء فلسطين وجذرها معادل,لكن نزولاً في الأقاصي في الماء والذرات والصخور.
والأسطورة الكنعانية تؤكد أن المرأة أصلها شجرة, وقد عبر عن ذلك الشاعر محمود درويش حين قال:
"في البدء, كان الشجر العالي نساءً"
وهذا يدل على أن ناجي العلي , ولد من المرأة قبل أن تولد المرأة,
والآن ... الآن اكتمل المشهد وظهر سر الريشة.
ولد داود وفي يده المزمار, وعنترة وفي يده السيف, وشيبوب وفي يده القوس, وناجي العلي وفي يده الريشة, والريشة من ضلع الشجرة.
كم سنة أكمل ناجي العلي؟! إذا كان العمر يحسب انتقاءً وغربلة, فهو لم يعش بعد الخروج الأول ثانية ,أما إذا حسب فنّاً وعطاءً فهو عاش قبل الموت الثاني أكثر من أربعة آلاف سنة, سنة لكل لوحة فضيحة, أو لكل فضيحة لوحة.
لم تحتمله الأنظمة, فأصبح الوطن العربي أضيق من قبر على جسده النحيل, ويخطئ من يحسب أن النظام العربي كان محتفظاً بآخر ورقة توت على سوأته حتى أسقطتها عاصفة الخليج,لأن هذه الورقة سقطت عندما حشر هذا النظام ناجي العلي في شوراع لندن عرضة لكاتم الصوت.
وكان مخيم عين الحلوة في لبنان محطة الجسد الأولى,وقيل أنه كان من عين الحلوة يرى الشجرة وهي ترخي ضفائرها الخضراء وسادة للشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود* الذي قال ذات يوم:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيض العدى
ترى , كم من الانتظار يكفي ليستقر هذا الرأس الجميل على نفس الوسادة الشجرية التي ضفائرها في سماء فلسطين.
أماهُ أيتها العجوز الأرملة
ولقد تحقق ما تحقق, والنتيجة مهزلة
ما دام لم يعد الشهيدُ وطفله
ناجي العلي وحنظلة*
إشارات
* عين الحلوة : مخيم فلسطيني في جنوب لبنان, وكان محطة اللجوء الأولى لناجي العلي.
* الشجرة: بلدة ناجي العلي ومسقط راسه, وفوق ترابها سقط شهيداً الشاعر القائد عبد الرحيم محمود, صاحب القصيدة الشهيرة:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيض العدى
* حنظلة: الطفل الذي يرافق كل لوحات ناجي العلي, وهو بمثابة توقيعه المعروف
...................
من عين* الحلوة كان يرى الشجرة*
يكاد يكون ناجي العلي من الرموز التي استعصت على زنزانة الذاكرة,على اعتبار أن الذاكرة, ثلاجة لحفظ الأسماء والصور والمشاهد والأحداث, فهو ليس اسماً , لأن قطرات الدم التي تقطر من ريشته أكثر تعبيراً ودلالة من اسم يذيّل في الطرف السفلي من اللوحة, وهو ليس صوراً , لأن الصورة مسكونة بالجمود ولا تراعي تطور الصراع, وهو ليس مشهداً , لأن المشهد, مجموعة من الصور تُشتت وتُجزئ الحدث, وهو بالتأكيد, ليس حدثاً ’ لأن الحدث يُصنع, وناجي العلي لم يكن في يوم من الأيام قابلاً للتشيؤ والاحتواء والتأطير أنه صانع الحدث.
كان يحب الفوضى, لأنها نقيض النظام بجمعه الضدي" أنظمة" والتي هي مع الفقراء كالماء والزيت, لايمتزجان, إلا إذا كان أحدهما مغشوشاً بفعل الذات, والفقير عادة لا يغش ذاته, إذن فالغش كل الغش من الأنظمة, بكل تدرجها اللوني.
كل الناس خرجوا من الأرحام إلا ناجي العلي,فقد خرج من الشجرة,زيتون, تفاح,ليمون, خروب, سنديان, لا أحد يعرف, لكن الكل يعرف أن فرعها في سماء فلسطين وجذرها معادل,لكن نزولاً في الأقاصي في الماء والذرات والصخور.
والأسطورة الكنعانية تؤكد أن المرأة أصلها شجرة, وقد عبر عن ذلك الشاعر محمود درويش حين قال:
"في البدء, كان الشجر العالي نساءً"
وهذا يدل على أن ناجي العلي , ولد من المرأة قبل أن تولد المرأة,
والآن ... الآن اكتمل المشهد وظهر سر الريشة.
ولد داود وفي يده المزمار, وعنترة وفي يده السيف, وشيبوب وفي يده القوس, وناجي العلي وفي يده الريشة, والريشة من ضلع الشجرة.
كم سنة أكمل ناجي العلي؟! إذا كان العمر يحسب انتقاءً وغربلة, فهو لم يعش بعد الخروج الأول ثانية ,أما إذا حسب فنّاً وعطاءً فهو عاش قبل الموت الثاني أكثر من أربعة آلاف سنة, سنة لكل لوحة فضيحة, أو لكل فضيحة لوحة.
لم تحتمله الأنظمة, فأصبح الوطن العربي أضيق من قبر على جسده النحيل, ويخطئ من يحسب أن النظام العربي كان محتفظاً بآخر ورقة توت على سوأته حتى أسقطتها عاصفة الخليج,لأن هذه الورقة سقطت عندما حشر هذا النظام ناجي العلي في شوراع لندن عرضة لكاتم الصوت.
وكان مخيم عين الحلوة في لبنان محطة الجسد الأولى,وقيل أنه كان من عين الحلوة يرى الشجرة وهي ترخي ضفائرها الخضراء وسادة للشاعر الشهيد عبد الرحيم محمود* الذي قال ذات يوم:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيض العدى
ترى , كم من الانتظار يكفي ليستقر هذا الرأس الجميل على نفس الوسادة الشجرية التي ضفائرها في سماء فلسطين.
أماهُ أيتها العجوز الأرملة
ولقد تحقق ما تحقق, والنتيجة مهزلة
ما دام لم يعد الشهيدُ وطفله
ناجي العلي وحنظلة*
إشارات
* عين الحلوة : مخيم فلسطيني في جنوب لبنان, وكان محطة اللجوء الأولى لناجي العلي.
* الشجرة: بلدة ناجي العلي ومسقط راسه, وفوق ترابها سقط شهيداً الشاعر القائد عبد الرحيم محمود, صاحب القصيدة الشهيرة:
سأحمل روحي على راحتي
وألقي بها في مهاوي الردى
فإما حياة تسر الصديق
وإما ممات يغيض العدى
* حنظلة: الطفل الذي يرافق كل لوحات ناجي العلي, وهو بمثابة توقيعه المعروف
تعليق