حافية القدمين
دخلت غرفة المدرسات وهي تتلثم بشالها الصوفي وتغطي رأسها بقبعة سميكة , دخلت وهي تدعك إحدى كفيها بالأخرى وتقول : برد برد , قهقهت المعلمات المتحلقات حول المدفأة , تساءلت في دهشة : هل قلت شيئا مضحكا ؟؟ قالت إحداهن وهي لا تزال تضحك : كلما دخلت واحدة منا كان أول ما تقوله : برد برد , علقنا وقلنا بأن "برد برد" أصبحت هذه الأيام تسبق التحية وتلازمها , شاركتهن الضحك وجلست تأخذ مكانها حول المدفأة وهي تقول : يا للصحراء ما أشد حرها وما أقسى بردها !
دخلت معلمة الصف الأول الابتدائي , تهيأت الزميلات للتعليق فمعلوم أن كريمة هي أقلهن احتمالا للبرد , وأكثرهن شكوى منه , لكنها دخلت ولم تقل شيئا , بل لم تلق التحية على زميلاتها , مشت وهي واجمة , ولشد ما كانت دهشة المعلمات عظيمة عندما أخذت زميلتهن المدفأة من وسطهن ومضت بها إلى زاوية بعيدة في الغرفة , غير عابئة بتساؤلات زميلاتها واعتراضاتهن , ثم ذهبت إلى حيث كانت تقف طالبة صغيرة , على كتفيها معطف معلمتها كريمة , أمسكت المعلمة بيدها وقادتها نحو المدفأة وهي تقول : اقتربي حبيبتي تعالي هنا . نظرت المعلمات إلى حيث الطفلة التي جاءت إلى المدرسة وهي لا تلبس فوق جسدها المقرور سوى مريول المدرسة لا تلبس تحته شيئا ولا فوقه , كانت قدماها حافيتين , لم تكن حتى تلبس الجوارب , كان جسدها الصغير يرتجف من شدة البرد , احتضنتها المعلمة أمام المدفأة وقدمت لها كوبا من الشاي الحار تستجلب لها بعض الدفء وهي تسألها لماذا لم تلبس سترة , والصغيرة تلوذ بالصمت لا تجيب بشيء .
أخذت المعلمات يتحدثن كأنهن كن يبحثن عن موضوع يقطعن به وقتهن , وأخذن في غيبة أم الطفلة , فمن قائلة : إنها لا تستحق أن تكون أما , وتضيف الأخرى , كيف تترك ابنتها تخرج هكذا في صباح يوم من أشد أيام أربعينية الشتاء بردا , يا لها من أم قاسية ؟ وتضيف ثالثة : تنام الضحى تستدفئ تحت أغطية ثقيلة ولا تكترث لأمر ابنتها , ماذا لبست وماذا أكلت وكيف خرجت , وتضيف : أما أنا فالحمد لله لا يخرج أولادي من البيت إلا بعد أن يتناولوا فطورهم ويشربوا الحليب , وألبسهم المعاطف ولو رغما عنهم في كثير من الأيام , تعلمن أن الأولاد يحبون أن يتخففوا لكني لا أسمح لهم نهائيا , وقالت أخرى ... وقالت أخرى ...
دخلت مستخدمة المدرسة وهي تحمل القهوة للمعلمات , وسمعت طرف حديثهن , نظرت إلى حيث الطفلة فلم تتمالك نفسها وانفجرت باكية وهي تقول يا للطفلة المسكينة لقد توفيت والدتها منذ ثلاثة أيام !
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
حافية القدمين
تقليص
X
-
حافية القدمين
-
رد: حافية القدمين
منى..
وفاء لك، غاليتي..
تحياتي؛
شكرا غاليتي ذكريات الأمس
الحزن كلمة تنقصها دقة الوصف للحالة..
الموت ليس نهاية الأمس بل ماساة الغد..
فهد..
و بدات ماساتي مع فقدك..
*** ***
اعذروا.. تطفلي على القلم
أنتم لستم رفقة مهمة بل أنتم الأهل و العائلة..
الابتسامة تعبير ابيض عن مستقبل اراه في منتهى السواد.. بالإرادة و العزيمة وقليل من المال، يمكن بناء غرفة من الصفيح، لكن لا يكفي لبناء اقتصاد منتج..
لا أعرف أين ابحث عني لأنه لم يعد لي عنوان ثابت
-
رد: حافية القدمين
منى..
كل عام و أنت و الأسرة الكريمة بالف خير؛
شكرا غاليتي ذكريات الأمس
الحزن كلمة تنقصها دقة الوصف للحالة..
الموت ليس نهاية الأمس بل ماساة الغد..
فهد..
و بدات ماساتي مع فقدك..
*** ***
اعذروا.. تطفلي على القلم
أنتم لستم رفقة مهمة بل أنتم الأهل و العائلة..
الابتسامة تعبير ابيض عن مستقبل اراه في منتهى السواد.. بالإرادة و العزيمة وقليل من المال، يمكن بناء غرفة من الصفيح، لكن لا يكفي لبناء اقتصاد منتج..
لا أعرف أين ابحث عني لأنه لم يعد لي عنوان ثابت
تعليق
تعليق