نظراتُها لا تنْفَّكُ تتعلقُ بالسَّاعة، دقائقُ قليلةٌ تفصلها عن نهاية الدوام...و عن بداية الحياة..
" اصبري يا فتاة...لم يبقَ إلاَّ القليل. لقد صبِرتِ طويلاً فلن تُضيرك بضعُ دقائقَ..". بحماسةٍ بالغةٍ تُرَتِبُ مكتبها و تصنِّفُ أوراقها. تبتسمُ و هي تتخيل النظراتِ الحائرةَ التي يتبادلُها زملاؤهُا في المكتب:"لا تقلقوا..ستتخلصون مني ...و قريبًا".
تُطالع الساَّعة من جديٍد..."و أخيرا ً". تقوم بخِفَّة و تنطلقُ مُسْرِعَةً كأنها انعتَقَتْ من قَيْدٍ محكمٍ...اندفعتْ خارجةً و هي ترمي بِسلامٍ طائرٍ إلى حارس البوابة... لم تبقَ سوى بضع شوارعَ. تكاد تراهَ منتظراً إيَّاها يحملُ لها هديَة عيد مولدها. يومٌ مناسبٌ لإعلان نبإٍ جديٍد في حياتها.
************************************************** **************
- و الآنْ، ما حكايَتُك؟
تُبادِرُها أمُّها ،ذلك الصَّباح، مُفْتَتِحَةً مُحادثة صارت تحفظُها بالنُّقطةِ و الفاصِلة فتجيبها مُتَصَنِّعَةً التجاهُلَ:
- ماذا...؟
- أَلَنْ تنتبهي لِنَفْسِكِ قليًلا؟...إلى متى ستَظَلِّين على هذه الحالِ؟
- لماذا...أنا بخير و الحمدلله..ماذا ينقصني؟
إجاباتها الباردة تزيد من تَوُّتر والدتها، فتردُّ هذه الأخيرة بصمتٍ يحاول عبثًا كَتْمَ قهرها و عذابها.
- الأحرى بك أن تتمني لي طول العمر ...فاليومَ عيدُ مولدي.
- يالسعادتي بك.....قريناتك يتجولنَ في الشوارع و بين أذرعِهِّن أطفالَهُنَّ.و أنتِ، احتفلي بعيد مولدك عندي...ألا تحسين بالغيرة على الأقل؟ أيَّ قلبٍ تملكين؟
هدوؤُها ينزل كالزيت على نيران قلب أمها، هذا عيد ميلادها السادس و الثلاثون.
- يبدو أنني أصبحتُ أُشكِلُ عِبْئًا عليكِ...
- و هل تظنين أنني سعيدة بوجودك معي....لقد أغلقتِ البابَ على نفسِك و على شقيقاتِك...ماذا سيقولُ النَّاسُ الآن.. بالتأكيد سَيُعَيِّبُونَ عليكِ، ألا تفهمين؟ أَتُريدين أن تقتليني؟
لَبِسَ و جْهُهَا ابتسامةً شاحبةً و هي تقوم من مقعدها، ثم قالت:
- لا تقلقي....سَتَتَخَلَّصِينَ مني عمَّا قريب.
ثم خَرَجَتْ.
************************************************** *************
عصر يوم ربيعي ، تلقي شمسه الدفءعلى الشوارعِ المزدحمةِ، و هي تنتقل بخطىً رشيقٍة كأنَّها تطير. سعادتُها تُكْسِبُهَا احمرارا ً جميلًا ...لقد هاَنَتْ.
ترفع رأسها ناحيةَ البنايةِ المقابلةِ، هاهو هناك ينتظرُها ، يجلِسُ إلى طاوِلَتِهِما المُفَضَّلة في ذلك المقهى...تماماً عند النافذة.ِ آه، لقد رآها..هاهو يُلَوِحَ بيده إليْها...صورةُ أمها لا تزال تراوح مُخَيِلَتَها..." لن أُشَكِّل عبًئا عليكِ بعد الآن."
جَمْعٌ غفيٌر يُحيطُ بالسَّيارةِ. امتَلأ الشارعُ بالماَرَّةِ بين محاولٍ الاسعافَ و بين فُضُولِيٍ. شابٌ يصرخُ بأعلى صوتِه..... دموعه تمتزج بِدِماءِ الفتاة الملقاة بين يديهِ.
وردة قــــــاسمي
الجزائر 02/05/2009
" اصبري يا فتاة...لم يبقَ إلاَّ القليل. لقد صبِرتِ طويلاً فلن تُضيرك بضعُ دقائقَ..". بحماسةٍ بالغةٍ تُرَتِبُ مكتبها و تصنِّفُ أوراقها. تبتسمُ و هي تتخيل النظراتِ الحائرةَ التي يتبادلُها زملاؤهُا في المكتب:"لا تقلقوا..ستتخلصون مني ...و قريبًا".
تُطالع الساَّعة من جديٍد..."و أخيرا ً". تقوم بخِفَّة و تنطلقُ مُسْرِعَةً كأنها انعتَقَتْ من قَيْدٍ محكمٍ...اندفعتْ خارجةً و هي ترمي بِسلامٍ طائرٍ إلى حارس البوابة... لم تبقَ سوى بضع شوارعَ. تكاد تراهَ منتظراً إيَّاها يحملُ لها هديَة عيد مولدها. يومٌ مناسبٌ لإعلان نبإٍ جديٍد في حياتها.
************************************************** **************
- و الآنْ، ما حكايَتُك؟
تُبادِرُها أمُّها ،ذلك الصَّباح، مُفْتَتِحَةً مُحادثة صارت تحفظُها بالنُّقطةِ و الفاصِلة فتجيبها مُتَصَنِّعَةً التجاهُلَ:
- ماذا...؟
- أَلَنْ تنتبهي لِنَفْسِكِ قليًلا؟...إلى متى ستَظَلِّين على هذه الحالِ؟
- لماذا...أنا بخير و الحمدلله..ماذا ينقصني؟
إجاباتها الباردة تزيد من تَوُّتر والدتها، فتردُّ هذه الأخيرة بصمتٍ يحاول عبثًا كَتْمَ قهرها و عذابها.
- الأحرى بك أن تتمني لي طول العمر ...فاليومَ عيدُ مولدي.
- يالسعادتي بك.....قريناتك يتجولنَ في الشوارع و بين أذرعِهِّن أطفالَهُنَّ.و أنتِ، احتفلي بعيد مولدك عندي...ألا تحسين بالغيرة على الأقل؟ أيَّ قلبٍ تملكين؟
هدوؤُها ينزل كالزيت على نيران قلب أمها، هذا عيد ميلادها السادس و الثلاثون.
- يبدو أنني أصبحتُ أُشكِلُ عِبْئًا عليكِ...
- و هل تظنين أنني سعيدة بوجودك معي....لقد أغلقتِ البابَ على نفسِك و على شقيقاتِك...ماذا سيقولُ النَّاسُ الآن.. بالتأكيد سَيُعَيِّبُونَ عليكِ، ألا تفهمين؟ أَتُريدين أن تقتليني؟
لَبِسَ و جْهُهَا ابتسامةً شاحبةً و هي تقوم من مقعدها، ثم قالت:
- لا تقلقي....سَتَتَخَلَّصِينَ مني عمَّا قريب.
ثم خَرَجَتْ.
************************************************** *************
عصر يوم ربيعي ، تلقي شمسه الدفءعلى الشوارعِ المزدحمةِ، و هي تنتقل بخطىً رشيقٍة كأنَّها تطير. سعادتُها تُكْسِبُهَا احمرارا ً جميلًا ...لقد هاَنَتْ.
ترفع رأسها ناحيةَ البنايةِ المقابلةِ، هاهو هناك ينتظرُها ، يجلِسُ إلى طاوِلَتِهِما المُفَضَّلة في ذلك المقهى...تماماً عند النافذة.ِ آه، لقد رآها..هاهو يُلَوِحَ بيده إليْها...صورةُ أمها لا تزال تراوح مُخَيِلَتَها..." لن أُشَكِّل عبًئا عليكِ بعد الآن."
جَمْعٌ غفيٌر يُحيطُ بالسَّيارةِ. امتَلأ الشارعُ بالماَرَّةِ بين محاولٍ الاسعافَ و بين فُضُولِيٍ. شابٌ يصرخُ بأعلى صوتِه..... دموعه تمتزج بِدِماءِ الفتاة الملقاة بين يديهِ.
وردة قــــــاسمي
الجزائر 02/05/2009
تعليق