[align=center]
مسرحية
الفكرة المركزية لهذه المسرحية
عن قصة الكاتب الكبير الراحل توفيق زياد
“الشاهدان والمئذنه”
من مجموعته القصصية “حال الدنيا”
The Butcher
“Drama”
Yaqub Ahmed Yaqub
زهرة على قبر رجل:
توفيق زياد الكاتب، الشاعر، المناضل والانسان.. أحب فلسطين فاحبته.. احبته بصدق قلما وهبته لغيره من ابنائها.. وما ذاك إلا لصدقِه وتفانيه وعطائه لها دون حدود..
او دون نفاق.. او دون مهادنة...
هكذا كان..وهكذا سيبقى..
شامخاً كاشجار السنديان..
جارحاً كاشواك الصبار..
متربصا كعيون النجم...
وكان يدرك كل الادراك ان اشواك الصُبار.. سيدة الاشواك تبقى دائماً متيقظة، متألقة، متربصة، جارحة،
تدمي وتلسع كل يد تمتد لتنال من تلك الاشياء القريبة الى القلب والى التراب والى الحياة..
توفيق زياد وببساطة الفلاح وعبقرية الثوري..
كان يترجم نبض الارض ونبض الجرح ونبض الحلم معاً..
عن كتابه حال الدنيا.. كتب توفيق زياد:
“تراثنا الشعبي الفولكلوري غني وزاخر بقدر ما هو غني وزاخر كفاح شعبنا على مر العصور والاحقاب ..
وابطال هذا الادب المختلفون هم وجوه متعدده للبطل الاساسي.. الشعب كمجموع
ان خطر الضياع قضى على كنوز كثيرة
وهو يهدد الكنوز الباقية.. والكنوز التي تولد كل يوم..وعلينا ان لا نسمح بذلك..
فيا كل الادباء والشعراء..
ويا كل الذين على صلة بمدى او بآخر بهذا التراث الشعبي ارموا باحجاركم.. في هذا الدلو”
حال الدنيا.. هو ليس كتاب عادي..
انما هو دُنيا.. تغص بالكتب..
منذ القراءًة الاولى لهذه المجموعة.. استولى عليَّ هذا العمل الادبي..
واستوطن كياني فصرت لا اتخلص منه إلا بالعودة اليه.
لم اكن اعرف ما اريد منه.. ولا ما هو يريد مني..
وما توصلت اليه لاحقاُ.. ان حال الدنيا.. لم يتغير....
لقد رحل الكثيرون.. وقد يتغير المكان قليلاً.. او الزمان اكثر..
قد تتغير الاسماء والوجوه والملامح.. لكن الحال هو الحال...
لقد رحل توفيق زياد.. رحل ذلك الرجل الشجاع لكن صوته بقي يصرخ...
رحل وترك لنا هذا الارث الادبي الخالد..
الذي اضحى جزءاً منا.. من هويتنا.. من ثقافتنا.. من هوائنا.. من حلمنا..
حال الدنيا..
هي ثلاث عشرة قصة..
تصلح لان تكون ثلاث عشرة مسرحية.. او ثلاثة عشر فيلماً..
لكن هذا العمل بحاجة الى جهد وعناء والكثير من الوقت ..
لقد بدأت هذا المشوار بالخطوة الاولى..
حيث وعن قصة “الشاهدان والمئذنة” حاولت صياغة هذه المسرحية (مسرحية الجزار)..
على أمل ان اكون بهذا قد وفقت..
وان كبوت فيبقى لي شرف المحاولة التي كان وسيبقى الراحل جديراً بها..
والغاية من هذا العمل ان تنطلق هذه الاعمال الادبية فتكون سرباً من العصافير ينطلق
ويحط ويعشش على اشجار هذا الوطن..
فينعم الناس بتغريدها والوانها واعشاشها..
يعقوب احمد يعقوب
شباط 2004
الفصل الاول
الاشخاص:
w الجزار: رجل متقدم بالسن.. مكتنز المبنى مظهره الخارجي لا ينعكس على سنه المتقدم.. ملامحه تدل على الكثير من القسوة شديد التطيُّر بنفسه سفاحاً قاسياً لا يتورع ان يظلم دون سبب.. انه الجزار المعروف بظلمه وقسوته..
ولد الجزار سنة 1720 في احدى قرى البوسنة، وهرب من بلاده الى الاستانةـ وبيع عبداً في مصر وصار مملوكاً في قصر احمد بيك ابي الذهب الذي اعجبته قسوته وقدرته على الفتك وتدبير المكائِد فاستخدمه ضد اعدائه ففتك بهم وبطش ولقب بالجزار توفي سنة 1804 بعد ان كان والياً على فلسطين وبعض بلاد الشام ودفن في عكا.. وهو الذي صمد عكا اثناء حصار نابليون لها سنة 1799.
w الشيخ: شيخ متقدم بالسن، تبدو على ملامحه علامة التقى والورع إلا ان قلبه به من الفساد والخبث ما يجعله لا يتورع عن النفاق والكذب اذا اعتقد ان ذلك سيرفعه في عيني الجزار..
دائم الكلام جبان الفؤاد دائم الخوف على موقعه قليل الثقة بنفسه وبه من الدهاء الكثير الكثير.. ما يجعل شخصه غير مظهره..
w الكاتب: رجل عمل يقوم بواجبه على اتم وجه قليل الكلام يعمل على ادارة حسابات الجزار وولايته بِمَ بها من دواوين وسجلات.. هادئ النفس متوقد الذكاء..
يدرك ان قسوة الجزار لا أمان لها.. ويدرك تماماً انه يقف على ارض متحركة تحركها الوشايات والنفاق.. ومن يَرضى عنه الجزار اليوم قد يكون فوق اعواد المشنقة في الغد..
“المكان ديوان الجزار حيث يجتمع الجزار مع افراد حاشيته المقربين وهناك تُناقش
الامور المختلفة المتعلقة بادارة الولايه وغالباً ما تتفرع اطراف الحديث الى امور شتى..
هذا الامر ما كان ليكون بهذه الاهمية لولا ان الشيخ يحمل بين جانحيه الكثير من الخبث والدهاء ولم يكن يعجبه ان الجزار يثق بكاتبه ويعلي مراتبه باستمرار.. كان الشيخ يرى في هذا تخفيفاً له ولقدره.. لذا.....”
الجزار: ”يتصدر الديوان على مقعده الوثير..
يحمل بيده عصا مزركشة يضرب بها على يده الاخرى”
ان إصلاح السور وتوسيعه حول عكا
قد كلف الخزينة من المال الكثير الكثير
ولا يهمني ان الامطار كانت شحيحة هذا العام
اريد ان تُجبىَ الضرائب بنسبة اكبر من المعتاد
اريد لكل النفقات ان تُغطى
ولا يهمني حتى وان جاع الناس
الكاتب: ان احوال الناس بدأت تسوء يا مولاي
خصوصاً وان المحاصيل ستكون اقل مِمَ كانت عليه..
بسبب شُح الامطار هذا العام
الجزار: لا يهمني..
الناس ايها الكاتب.. دائماً لا يحبون الدفع
حتى لو امطرت عليهم السماء ذهباً.. هكذا هم الناس
ولكن...
اريد ان يخرج المنادي بين الناس وينادي
ان كل من يتخلف عن دفع الضرائب
سآمر بقطع رأسه..
وقد توفرُ الجثث علينا الكثير من مواد البناء..
إن هي وضعت مع الجماجم بين الاحجار في السور..
الناس وُجدوا لخدمتنا.. لا نحن لخدمتهم
الكاتب: بعون الله يا مولاي.. ستكون الامور على ما يُرام..
ان من هزم نابليون وجحافل جنده.. من شأنه ان يهزم ايَّ معضلة تواجهه
الجزار: لقد تهدم السور بعدة مواقع من قصف اللعين نابليون
وإن تصليحه سيكلف الخزينة الكثير الكثير..
اكتب ايها الكاتب..
الى كل الولايات.. والألوية والسناجق
فرمان صادر عن حكومتنا لعام 1214هـ 1800م
الى الباشوات المحترمين
فيما يلي متطلبات حكومتنا من حضراتكم
w ضريبة المسقفات - أربعة في الالف من كل بناء مسقوف
w ضريبة العُشر - عشرة بالمائة من المحاصيل الزراعية.
w ضريبة الاغنام - اربعة قروش عن كل راس
w ضريبة العمال - كل عامل يدفع ستة عشر قرشاً في السنة
هذه السنة كل الضرائب تجبى مضاعفة وتُرسل خلال شهر وعلى وجه السرعة
كل من لا يلتزم بهذا البيان.. مصيره الموت.. انتهى
الكاتب: امرك يا مولاي..
لقد كتبت كل شيء
الجزار: هاتِ الفرمان اوقعه بختمي
جميل جداً..
انك كاتب ماهر
ومُحاسب دقيق ومخلص
الكاتب: هذا من لطفك يا مولاي..
انه لشرف لي ان اخدمكم وان أنالَ رضاكم
الجزار: “مُداعباً” فكرتُ ان اعطيك مكافأة..
الكاتب: ان رضاك يا مولاي هو خير مكافأة لي..
الشيخ: “داخلاً وقد لاحظ مدى التقارب والانسجام بين الجزار والكاتب”
اسعد الله نهار مولانا وتاج رأسنا وولي نعمتنا الجزار
الجزار: “ضاحكاً مع الكاتب”
انك ابن حلال يا شيخ.. كنت سأسأل الكاتب عنك لماذا تأخرت
الكاتب: ان شيخنا في الآونة الاخيرة
يقضي جُلَ وقته بقراءَة القرآن والصلاة والذكر
الشيخ: “وقد فهم قصد الكاتب من انه على العكس من ذلك”
صدقت ايها الكاتب
انني كثير الصلاة.. كثير الذكر والدعاء
فان للجزار حق علي ارده له بالدعاء له..
انني يا مولاي الجزار ادعو لك باليوم مئات الدعوات
الجزار: شكراً يا شيخ.. شكراً
نفَعَنا الله من بركتكم
الشيخ: ان بركتنا يا مولاي.. انتم.. الناسُ ولدتهم امهاتهم كلهم لخدمة الجزار
ان رَضيتم عنا..
لا يهمنا ان يغضب الباقون “ينظر الى الكاتب”
رضاكم يا سيدي هو النور الذي يضئ حياتنا
الجزار: إن كلامك يا شيخ له حلاوة العسل
الشيخ: بل شكركم يا سيدي
حين أشكركم على نعمكم وفضائلكم وحُسن رعايتكم
فانا اشعر بسعادة وطمأنينة لا توصف
اطال الله بعمركم
وجعل مثواكم جنان الخلد يا مولاي الجزار
الكاتب: “ وقد ضاق ذرعاً بنفاق الشيخ”
اين كانت رحلة شيخنا البارحة؟
الشيخ: هذه الاشياء لا ابوح ها إلا لولي نعمتي وقبلة روحي ونور عيوني الجزار
الجزار: لكن الكاتب..
الشيخ: اعرف يا مولاي انك تُحبه.. او كنت تحبه.. ولكن..
الجزار: كنت احبه؟!..
لماذا كنت؟.. انني لا زلت احبه..
انه كاتبي.. وانه سندي المخلص الامين..
الشيخ: “وقد بدأ عليه الامتعاض”
لا اقصد يا مولاي..
انما قصدي..
ان هناك اشياءٌ في صدري.. لا احب ان يشاركك بها احد..
ان هذه الكرامات التي تحصل لي
انها يا مولاي..
الكاتب: ولكن يا صديقي الشيخ.. هذه الكرامات التي تتحدث عنها
انت بنفسك كنت تقصصها أمامي دون ان يضايقك أَمر حضوري
الشيخ: صدقت ايها الكاتب
ولكن الكرامات التي تحصل لي في الايام الاخيرة..
طُلب مني.. ان لا اقصها على احد.. إلا على مولاي الجزار
الجزار: طُلب منك؟..
وهل تطيع اوامر احد غيري؟
الشيخ: حاشى وكلا.. انا لا اطيع إلا انت يا سيدي
انت سيدي وولي نعمتي.. وقرة نفسي.. وهذا الاخلاص لمولانا هو نصف الدين
الجزار: اذن من الذي طلب منك؟
الشيخ: انهم اسيادنا الاولياء والصالحون يا سيدي الجزار
سيدنا يوسف الصديق يا مولاي الجزار
عندما قص رؤياه.. على ابيه.. قال له لا تقصص رؤياك على اخوتِك
فما بال مولاي الجزار؟!
وانا رؤياي حقيقة.. ان أقصها امام من قد يشك بصدقها
ان نظرات الكاتب حين حدثتكم البارحة وقبل البارحة
عن تلك الكرامات كانت تضايقني وكان بها شك لا افهمه
الكاتب: انا.. اعوذ الله ان اشك بكلمة من كلامك
لانني على اتم القناعة يا مولاي الجزار
بأن الشيوخ لا يكذبون.. ابداً لا يكذبون
الشيخ: صدقت ايها الكاتب
الكاتب: لم اسمع بحياتي عن انسان يخاف الله ويؤمن بالحساب والآخرة ويكذب
فما بالك ان يكون الانسان شيخاً
اي انه قمة بالايمان والخوف من الله وحسابه
الشيخ: صدقت ايها الكاتب..
الجزار: آرى انه لا خلاف بينكما..
وارى ان الكاتب يكيل لك المديح
ألا تكون ايها الكاتب.. قد صرت مُريداً عند الشيخ؟!
الكاتب: أسأل الله ان يغفر للشيخ ولي ولنا جميعاً
الشيخ: أما لمولاي الجزار.. ولي فقد غفر الله لنا
واما لك ايها الكاتب فاسأل الله ان يهديك.. لسواء السبيل
الجزار: هل قلت ان الله غفر لي ايها الشيخ؟
الشيخ: نعم يا مولاي.. نعم
سيغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر
فانا ما صليت ركعة إلا ووهبتها لك
وما دعوت دعاءً إلا ودعوت لك..
وما ذكرت وما استغفرت وما انفقت وما خطبت على منبر
إلا وسألت لك الجنة قبل ان اسألها لنفسي
الجزار: أتحبني الى هذا الحد يا شيخ؟..
الشيخ: واكثر يا مولاي.. واكثر
ولا اتمنى يا مولاي إلا ان اموت قبلك
كي لا اذوق حسرة فراقك يوماً
فكيف وان غضبت عليَّ في حياتي
ستغدو حياتي قاتلة مُرَّة كالعلقم
الجزار: جميل كلامك يا شيخ جميل
ماذا تقول ايها الكاتب؟
الكاتب: “ وقد ادرك ان الشيخ يسير إلى مبتغاه وقد اوقع الجزار بعذب كلامه”
انا يا مولاي الجزار؟؟!!
الجزار: نعم ايها الكاتب
نحن نحب ان نسمع رأيكم فينا
انتم ايها الكاتب لا تتكلمون كثيراً
الكاتب: انا يا مولاي.. اخدمكم بعملي..
انا لا اجيد الكلام والبلاغة كما الشيخ
ولكن الله وهبني حب الأرقام اكثر من حب الحروف
فأنا اخدم مولاي الجزار
بان اكون الامين الوفي على دواوينه وحسابات دولته
الجزار: نعم انتم مخلصون
إنا نشهد انكم مخلصون
الشيخ: نعم ان وظيفة الكاتب يا مولاي الجزار..
وظيفة عظيمة واشهد انها صعبة وشاقة
ولكن على من يؤتمن عليها ان يصون الامانة.. ان الامانة حمل ثقيل
الجزار: صدقت يا شيخ.. ان الامانة حمل ثقيل
والله لو شك الجزار يوماً بخيانةِ من أمنه
لجعل رأسه يطير عن جسده بنفس اللحظة
الشيخ: “ وقد شعر بأن الكلام يتجه الى حيث أراد ان يوجهه لزرع الشك بنفس الجزار”
صدقت يا مولاي.. ان الخيانة أقبح ما بالانسان من خصال
كفانا الله شر الخيانة والخائنين
الكاتب: “ وقد شعر بِمَ بنفس الشيخ من غدر تجاهه”
والله ان الخائن يا مولاي الجزار.. تبدو الخيانة على وجهه من النظرة الاولى..
انا يا مولاي انظر الى الانسان نظرة واحدة فادرك ان كان خائناً او وفياً..
الجزار: انا دون نظر ادرك ذلك..
لقد قطعت من الرؤوس ما لا يُحصى عدده..
لانهم فكروا بالخيانة..
الكاتب: ان الخيانة يا مولاي وكما قال الشيخ
اقبح خصال الشر..
والخيانة قد تكون بين الرجل واهل بيته
وبين الصاحب وصاحبه.. وحتى بين الانسان ونفسه
قد يخون الانسان نفسه يا مولاي الجزار
الجزار: وكيف ذلك ايها الكاتب؟
الكاتب: ان هو خان ما يؤمن ويعتقد به..
قد يخون المعلم وظيفته فيخرج الطلاب بلا علم جهلاء
وقد يخون الشيخ رسالته فيشوه الدين ويجعله بلاء
الشيخ: لا.. يا مولاي الجزار.. أسأل الله لك ولي العافية
ان كلام الكاتب قد جاءَ بتشبيه كريه.. لا يليق بأن يقال..
انه على علم بالارقام لا بالكلام..
قد يخون الناس جميعاً.. ولكن الشيوخ.. لا..
الكاتب: لماذا انتفضت من حديثي؟
ولم اكن أقصد ابداً.. انك الشيخ هو المقصود بكلامي..
الشيخ: لا بل انتفضت يا هذا لانك حاولت ان تنال من الشيوخ
وانا منهم.. من سب شيخاً سب الدين..
الكاتب: معاذ الله... انا يا مولاي الجزار
كنت اتحدث عن انماطٍ من الخيانة
الجزار: لا توجد انواع من الخيانة.. الخيانة واحدة
وعقابها الموت.. نعم الموت
الشيخ: نعم صدقت يا مولاي الجزار.. الخائن عقابه الموت
الكاتب: ومن الذي سيحدد من هو الخائن؟
الشيخ: غريب امر هذا الكاتب.. اعطاه الله علم الارقام
ونراه اليوم يتكلم وكأنه عالم بعلوم الكلام..
مولانا الجزار هو وحده المخوّل شرعاً وعلماً وقدراً
بأن يحدد من هو الخائن..
الجزار: صدقت يا شيخ.. انا.. انا وفقط انا..
الشيخ: انت ولي نعمتنا.. انت من يهب النعمة ومن يمنعها
وانت من بسيفك هذا تفرق بين الحق وبين الباطل
وما انا يا مولاي.. إلا عبد صالح يدعو لك الله ان يطيل بعمرك ويسدد خطاك..
الجزار: احسنت يا شيخ..
الشيخ: انا يا مولاي عبد شاكر لا يغفل قلبي ولا يَمَلُ لساني
ورضاك هو مبتغاي ومُنتهى أملي في هذه الدنيا الفانية
الجزار: بوركت يا شيخ..
والله انك رجل به من الصلاح والصدق ما لا اجده عند الآخرين
الكاتب: هل يأمرني مولاي الجزار بشيء قبل إنصرافي لمعالجة بعض الامور
الجزار: لا.. ولكن عليك اليوم ان ترسل الفرمان الى الآلوية والسناجق
اليوم قبل الغد..
“الكاتب يخرج وقد شعر بانه من خسر تلك الجولة
وان الجزار قد وقع بشباك الشيخ وبسحر لسانه المعسول”
استودعك الله يا مولاي الجزار
سأعود حالما افرغ من مهمتي..
الشيخ: أما الآن يا مولاي الجزار فابمكاني ان ابوح لك ببعض ما صادفني من “الكرامات”
التي يشيب لها شعر الوِلدان والتي خصني الله بها من دون غيري
وما ذاك إلا لشدة ايماني وصدقي واخلاصي لله ورسوله
وللجزار ولي نعمتي ومُنتهى سعادتي..
الجزار: اقترب إليَّ يا شيخ... اقترب...
فانا قد بلغت من الكبرِ كثيراً.. زدني من دعائِك..
اظنك من الصالحين وادعية الصالحين مستجابة
الشيخ: “يقترب من الجزار وهو بمنتهى السعادة”
سأقرأ عليك بعض الادعية..
وما عليك يا سيدي إلا ان تتوكل على الله وتقول آمين
الجزار: آه يا شيخ.. لقد شاب الرأس.. وارتخت المفاصِل
انه الهرم يا شيخ.. داء ما له دواء..
الشيخ: لا يا مولاي الجزار.. لكل داء دواء باذن الله
فانت وباذن الله شاباً كنت وشاباً ستبقى
الجزار: ان في كلامِك يا شيخ حلاوة..
الشيخ: من احبه الله.. حببَ الخلق به
الجزار: صدقت فان لك في قلبي مَعَزَة... مَعَزَة كبيرة..
الشيخ: وانت يا مولاي.. ان قلبي ليكاد يخفق باسمك
وكدت احسد نفسي على حبك لي
وكدت احسدك على حبي لك..
الجزار: “ضاحكاً” اننا نتبادَل اطراف الحديث كعاشقين..
الشيخ: “ضاحكاً” والله انني يا مولاي بت لا اطيق فراقك للحظة
الجزار: لكنك في الآونة الاخيره بتَّ تغيبُ كثيراً يا شيخ
الشيخ: انها الكرامات يا مولاي الجزار... إنها الكرامات
الجزار: حدثني عن كراماتك.. عَلَّ الله ينفعنا من بركاتِك..
الشيخ: ان الكرامات يا مولاي الجزار.. يهبها اللهُ من سمائه السابعة
لعباده المخلصين الصادقين..
وأنا والعياذ بالله من كلمة أنا..
قد غمرني الله بكرامات لا تعد ولا تُحصى
حتى صرت أُكلم الجبال وتكلمني.. واحدث الاشجار وتحدثني..
واطير على اجنحة الملائكة فاجوب بقاع الارض من مشرقها الى مغربها
هذا الخاتم يا مولاي الجزار هدية لك “يسحب خاتماً من اصبعه ويضعه في اصبع الجزار”
الجزار: ياه.. انه خاتم جميل..
انه جميل جداً..
من اين حصلت عليه؟؟
الشيخ: إنها الكرامات يا مولاي.. إنها الكرامات
الجزار: هاتِ ما عندك وحدثني عن كراماتك فقد زدتني شوقاً
الشيخ: هذا الخاتم الذي وضعته في يدك يا مولاي
هو خاتم احد الصالحين.. في مسجد سمرقند
سيحرسك بعون الله من المرض والهم والغم
ويكفيك شر العين والشياطين والحسد.. قل آمين
الجزار: انه رائع.. انه جميل.. آمين
الشيخ: لقد قدمه لي احد الحكام الصالحين من سمرقند البارحة عندما زرتها
الجزار: زرت سمرقند البارحه.. واجتمعت بحاكمها؟؟
الشيخ: نعم يا مولاي.. زرت طشقند وسمرقند ونيسابور والبصرة..
الجزار: وكيف ذاك؟؟
الشيخ: انها الكرامات يا مولاي..
ان الملائكة تحملني وتطير بي
الجزار: يا إلهي..
الشيخ: وما العجب يا مولاي..
ان الله يخص عباده الصالحين بكرامات لا تُعد ولا تُحصى ويفتح عليهم ابواباً فيرون ما لم يخطر على بال بشر...
الجزار: هات يا شيخ.. حدثني فانني بشغف شديد لسماع المزيد..
الشيخ: عندما تحملني الملائكة على اجنحتها الطاهرة وتنطلق
ارى الارض تحتي كسجادةٍ صغيرة مزركشة..
وبسرعة كسرعة البرق تطوي الملائكة البحار والجبال والسهول
وتنقلني من بلد لآخر
وتهمس الملائكة في اذني اسرار الكون واسرار الخلق
فابصر وارى واسمع دونما حجاب..
الجزار: اكمل يا شيخ اكمل
الشيخ: بعض الاشياء أحمد الله لان جعلني اعرفها
وبعضها الآخر.. يبعث في نفسي الأسى والحزن..
واقول ليتني لم اعرفه..
الجزار: مثل ماذا يا شيخ؟؟
الشيخ: افرح عندما اعرف من هم الاصدقاء والمخلصين
واغضب عندما اعرف من هم الخونة والمخادعين
الجزار: اكمل يا شيخ.. واخبرني بكل ما تكشف لك من اسرار وحقائق
الشيخ: بالامس همّس لي الملاك الذي كان يحملني
وقال: الجزار مولاك هو اعدل من في الارض
واكرم من في الارض..
وان طيبة قلبه تفوق طيبة قلوب اهل الارض جميعاً
الجزار: اشعر بانه يعرفني
انه يعرفني حقاً
الشيخ: وقال لي كذلك ان مشكلة مولاك الجزار تكمن في طيبة قلبه..
رغم قسوته احياناً.. فالقسوه احياناً تكون واجبة
الجزار: نعم.. القسوة احياناً واجبة
هل اوضح لك كيف تكون مشكلتي في طيبة قلبي
الشيخ: اجل يا مولاي اجل
قال ان بعض المقربين يستغلون طيبة قلب مولاك الجزار لمصالح ومنافع شخصية فالبعض يختلس والبعض يسرق..
الجزار: “غاضباً” يختلسون مني يسرقون مني؟؟.. يا للهول
من هؤلاء
سأعلقهم على اعواد المشانق
الشيخ: اهدأ يا مولاي اهدأ..
سأتيك باخبارهم
وسأفضح لك اسرارهم
وسأكشف امامك حقائق ما تخفي نفوسهم..
الجزار: تكلم يا شيخ.. الأن اريد ان اعرفهم
سأجعل رؤوسهم تتطاير عن اجسادهم..
الشيخ: اهدأ يا مولاي..
سيكون كل شيء على ما يرام..
الجزار: ان كلامك يا شيخ يحيرني
كيف يكون من رعيتي من يخونني دون ان اكتشفه
سأجعل سيفي هذا يأكل من رقابهم..
الشيخ: يجدر بنا يا مولاي الجزار ان نكون على حذرٍ
ندعهم.. وكأن امرهم لم ينكشف لنا..
وبعدها تنقضُ عليهم كالنسر الجارح..
الجزار: سأقتل كل من تسول له نفسه خيانة الجزار
الشيخ: حين يأتي الملاك ويحملني على جناحيه الطاهرين يا مولاي..
أرى الارض كلها كما الصحن الصغير امامي
ارى الناس دون ان يروني.. واسمعهم دون ان يسمعوني
وحتى نفوسهم تنفضح امامي..
البارحة رأيت كاتبك يا مولاي..
الجزار: كاتبي.. ماذا رأيت به؟
اظنه مخلصاً ومتفانياً بعمله
انه يقوم بعمله على أتم وجه ومنذ سنين لم اعهده إلا خادماً مطيعاً
الشيخ: ألم اقل لك يا مولاي.. ألم اخبرك سابقاً عن طيبة قلبك
ان الامور تختلف حين يتطلع عليها من انكشفت امامه الحجب
ومن بدت له سرائر النفوس
كاتبك يا مولاي.. هو على العكس مِمَ تظن.. على العكس تماماً
الكاتب: “يدخل الى ديوان الجزار” السلام عليكم ورحمة الله..
الشيخ:” وقد افسد عليه الكاتب خطته عند دخوله الغير متوقع..يرد ببرود”
وعليكم السلام..
الجزار: “وقد ضاق صدره لدخول الكاتب قبل ان يسمع من الشيخ ما هم قوله بصدد الكاتب”
وعليك السلام
الكاتب: أرى انني جئت في الوقت المناسب..
لقد سمعت الشيخ يذكرني امام مولاي الجزار
الجزار: اكمل يا شيخ
اكمل اريد ان أسمع كيف يكون كاتبي على عكس ما اظن..
الكاتب: انا..
انا على عكس ما يظن بيَّ مولاي الجزار
الشيخ: “مرتبكاً وقد أحس ان موقفه اصبح حرجاً.. اذ عليه ان يلطخ اسمَ الكاتب وبحضوره..”
نعم يا مولاي
بينما كنت أطير فوق جناحي الملاك.. ان الجناح الواحدة..
من جناحيه يا مولاي قد تحجب الشمس عن الارض لا تساعها
وكل ريشة من ريشه بها الف لون
الكاتب: وما دخلي انا بهذه الحكايات يا شيخ..
ظننت انك قد جئت بشيء جديد..
هذه الحكاية سبق وسمعناها اكثر من مرة..
وسمعنا كذلك ان الملائكة قد حملتك وطارت بك
الى سمرقند وطشقند والبصرة والى الشام ومصر وانطاكية ومكة وما الى ذلك..
ما الجديد يا شيخنا
الشيخ: الجديد ايها الكاتب.. انني والحمد لله..
قد ازال الله عن عينيَّ الغشاء وعن سمعي كذلك
وصرت ارى واسمع ما لا يراه غيري ويسمعه
الكاتب: أحقاً يا شيخ..
اظنك قد بلغت منزلة الانبياء
الجزار: “متضايقاً من الكاتب” دعه يكمل ايها الكاتب
دعه يكمل ان في كلامه سحر
وفي حكاياته تشويق لا استطيع ان اقاومه
الكاتب: ولكن علي يا مولاي ان استشيرك بشأن بعض الامور التي ان نحن قمنا بتنفيْذها قد تشعل نار الفتنة بين الناس فان ما طلبت مني من مضاعفة الضرائب وخصوصاً بهذا العام الذي شحت امطاره وقلت محاصيله قد يثقل كاهل الناس فلا يجدون امامهم إلا العصيان
الجزار: العصيان؟
هل يجرؤ احد على اعلان العصيان على الجزار؟
لا اريد اي نصح في هذا المجال.. اريد ان تنفذ اوامري بكاملها وبالحال
الكاتب: امرك سيدي..
ولكن عودتني في السابق.. على ان لا اتردد في توضيح بعض الامور
وعودتني كذلك على ان تأخذ رأيي وتستشيرني وخصوصاً في مجال الضرائب والاموال التي هي ضرائبك واموالك..
الجزار: قلت لك لا اريد نصائحاً من احد.. نفذ اوامري كما امرتك بها
الكاتب: “متضايقاً لشعوره بمعاملة الجزار المختلفة له” أمر مولاي
الجزار: اكمل يا شيخ..
وحدثنا بشأن الكُتاب ولا تخفي شيئاً
الكاتب: هل يأمرني مولاي بالانصراف
الجزار: ليس بعد..
بامكانك البقاء ألا يهمك ما سيقول الشيخ بصدد الكُتاب؟
الكاتب: بلى والله يهمني..
وخصوصاً ان كرامات سيدنا الشيخ..
قد باتت تهم مولاي الجزار اكثر من اي شيء اخر
انا حال دولتكم يا مولاي وخصوصاً بعد الحروب الطويلة مع نابليون والافرنج
قد باتت صعبة وتكدست الديون وقلت الاعمال والاشغال
وصار لا بد لنا من أخذ الامور على محمل الجد..
الجزار: دَع تلك الامور.. سنعالجها لاحقاً
اكمل يا شيخنا.. اكمل
الشيخ: وبعد الصلاة على سيد المرسلين.. ومن سار بدربه ووالاه الى يوم الدين
ان النفسَ أمارةٌ بالسوء..
والانسان الصالح والتقي من يجلد نفسه التي تأمره بالمعاصي والخيانة
يجلدها بالعمل الصالح والصلاة والذكر والصيام والوفاء
الكاتب: كلام جيد.. وبه مصلحة الناس وينطبق علينا جميعاً
لا فُظَّ فوك يا شيخ
الجزار: لو تكرم شيخنا.. وكشف لنا ما تكشف له في كراماته عن الكُتاب..
هذا الامر يقلقني كثيراً.. خاصة وان أمانة الكُتاب هي اهم شيء عندي
فهم القائمون على الاموال والمدفوعات وممتلكات الدولة..
الشيخ: صدقت يا مولاي..
الكتاب حَملة الاقلام..
جُل عملهم.. بالمال والارقام
وقد تدخلهم الشياطين والوسواس عن طريق الاقلام.. وعلم الحِساب
الكاتب: وما دَخل الحساب بالشياطين..
الشياطين يا مولاي لا تدخل سوى النفوس الضعيفة
الشيخ: صدقت.. لان الحساب يضعف النفس ويشغلها بالأرقام عن ذكر الله ورسوله خير الانام فتصبح نفوس الكتاب متعلقة بالأقلام لا برب الأنام..
الكاتب: والله لا افهم هذا الربط.. ولا استسيغ هذه الأراء السطحية
الجزار: دعه يكمل ايها الكاتب
لماذا تقاطعه
ألأنه يقترب من كشف ما اجهله عنك؟
الكاتب: والله يا مولاي
انا لا اخفي عنك شيئاً
وكل ما اقوم به واعمله مُدَّوَن في سجلاتكم بالدرهم والمليم
وان كنت تشك باخلاصي للحظة ما
وبدون اي علاقة مع ما يحاول الشيخ من زرع الشك بيننا
هذه رقبتي.. وذاك سيفك..انا لا اشك باخلاصي لك..
اذا شككت انت.. فالحل عند مولاي..
والانسان لا يموت اكثر من مرة..
الجزار: بلى.. والله ان ثبتت خيانتك ايها الكاتب
سأجعلك تموت كل يوم الف مرة..
الكاتب: اذن يا مولاي الجزار بدأت تشك بوفائي؟
الجزار: لا ليس بعد ولو كان نعم.. لما كنت تجلس الأن بيننا
ولكن دع الشيخ يكمل
الكاتب: يكمل ماذا.. وكل ما سمعته منه حتى الأن ما هو إلا هُراء وسخافات واساطير لا يرجو منها إلا ان يوقع بينك وبين اعوانك.. لغايةٍ في نفسه
الشيخ: اسمعت يا مولاي اسمعت؟..
اذا كان مخلصاً لك ووفياً لما أمنته عليه
ما سبب خوفه من اقوالي.. ومن الكرامات التي تكشف لي اسرار الناس..
الكاتب: اي كرامات يا شيخ.. عن أي كرامات تتحدث
ويعلم الله كم انت بعيد عن دينه الحق..
ويعلم الناس كذلك عن هذا المكر والخبث الذي يحمله صدرك
والذي من العيب ان يجتمع مع ما تدعيه من ايمان ودين..
الشيخ: لا انا لا اقبل.. كيف تهينني وبحضرة مولانا الجزار
والله ان مولاي الجزار كان سيفصل رأسك هن جسدك
لولا انني توسلت به قبل ان تأتي
توسلت به ان يعفو عنك..
كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابين
تُب الى الله ايها الكاتب.. تب فان الله ومولاي الجزار يقبلان التوبة الصادقة
الكاتب: يا إلهي لا اصدق ما اسمع.. لا اصدق
كيف تجمع بهذا المخلوق كل هذا الكم المخيف من النفاق
كيف وانت باسم الدين تشوه الحقائق وتقذف الناس بالمكائد والمصائب..
كيف ستلاقي الله؟؟..
الشيخ: اعوذ بالله.. انه يكاد يتهمني بالكفر..
انا الشيخ.. من لا يغفل عن الذكر والتسبيح
يحاول هذا الكاتب ان يرمني بالكفر..
الكاتب: تُب الى الله..
تُب الى الله يا شيخ وعد الى رشدك
ألم تقرأ بكتاب الله: )إن تُصِبكَ حَسَنةٌ تسؤهم وان تصبكَ مصيبةٌ يقولوا قد أَخَذْنا أَمْرَنا من قبلُ ويتوَلوا وهم فرحون. قُل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا هَوَ مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون(
هذه الآيات يا شيخ من سورة التوبة
فتب الى الله
انه قابل التوبة
ألا تعلم ان الله يعلم سرك ونجواك... وان اللهَ علامُ الغيوب
الجزار: “وقد استساغ هذا الجدل والمحاولة من كليهما ان يثبتا له ولاءَهما واخلاصهما.. يضرب على يده بعصاه..”
أرى ان حبل المشنقة بات يقترب من عنق أحدكما
منك يا شيخ
او من الكاتب
اغلب الظن.. ان حبل المشنقة بات يقترب من عنقك ايها الكاتب الامين
لقد امنتك على خزائن مالي
لقد وهبتك من الثقة ما لم اهبه لاحد من قبل
الكاتب: اشهد يا مولاي اشهد انك وثقت بي
واشهد واحمد الله انني فعلت ما بوسعي
لاكون عند حسن ظنك..
ويشهد الله انني كنت الحريص وكنت الوفي ولم أخن
الجزار: هذا ما بت اشك به..
انها لخسارة كبرى.. ان تخسر ثقتي بك..
ان الامرَ... سيكون صعباً.. صعباً جداً..
الشيخ: لا يا مولاي الجزار ان الله يقبل التوبة..
الجزار: لا يا شيخ.. انها خيانة
الكاتب: اعوذ بالله.. اعوذ بالله..
ارى بحبل المشنقة يلتف حول عنقي.. لا لامرٍ..
وانما بسبب هذا المخلوق المنافق
الذي لا شغل يشغله سوى تدبير المكائد وزرع الشك في النفوس
يا إلهي.. لا اصدق ما ارى واسمع
الجزار: هات يا شيخ ما عندك
وسيكون عليك انت يا كاتبي الامين تفنيد ما يقوله الشيخ بالحجة والبرهان..
وإلا.. اقسم بالله.. انني سأجعل منك عبرةًّ لمن لم يعتبر
الكاتب: يا إلهي لا اصدق..
كيف استطاع هذا المخلوق ان يقلب الامور بهذا الشكل
كيف وهو لا يحمل بقلبه ذَرة من الايمان
ولا تربطه بالمشيخة إلا هذه اللحية الزائفة
الشيخ: لا.. بت لا اطيق..
لا انه يهينني وينتقص من قدري وديني.. وبحضورك يا مولاي الجزار
انها زندقة.. انها فتنة
الكاتب: نعم ما تقوم به يا انت ما هو إلا فتنة وزندقة
أسأل الله ان يكشفك على حقيقتك امام مولاي الجزار
الجزار: أمامي قضية بالغة الخطورة..
عليَّ ان اكشف أسرارها..
أحدكما عند الغد سوف يكون فوق حبل المشنقة
من منكما.. هذا ما سأعرفه..
حتى هذه اللحظة.. انت ايها الكاتب هو من أشك بخيانته
الكاتب: ولكن يا مولاي..
لكل مجرم جريمة
ولكل قاتل ضحية..
ان كنت مجرماً فما هي جريمتي وان كنت قاتلاً فاين ضحيتي
الجزار: هذا ما سيكشفه لنا الشيخ..
الشيخ الذي يطير فوق اجنحة الملائكة.. من مشرق الارض الى مغربها
يرى ويسمع دون حجاب
الشيخ الذي انكشفت امامه الاسرار
هو من سيفضح امرك ومن سيكشف ما كنت تخفيه طيلة هذه السنين
تفضل يا شيخ..
الشيخ: “وقد شعر ان الامور اخذت منحنى ابعد مِمَ أراد فهو قد خطط لان يكون المقرب من الجزار المتنعم بنعمه. بدأ يشعر بخطورة الموقف وبأنه سيزهق روحاً دونما ذنب”
مهما يكن يا مولاي الجزار فانت طيب القلب..
بك من الكياسة والفطنة وبك من العفو ما قد يحسدك عليه الكثيرون
حين تحملني الملائكة على اجنحتها الطاهرة واجوب البلاد شرقاً وغرباً
اسمع الناس يتحادثون.. ويتناقلون.. ويتفاخرون
بتلك النِعم الكثيرة التي انعمها الله على مولانا الجزار
فوهبه من القوة والشجاعة والحزم والعزم ما لم يهب سواه
حتى بات العجم يخشونَه ويفرون منه كما تفر الشياه من الذئب
وولاه على ارض بها من القدسيه الكثير ليس إلا لانه من الصالحين المؤمنين
بالامس عندما هبط الملاك بيَّ في سمرقند.. واهداني حاكمها الصالح خاتماً
الذي قدمته لك يا مولاي
قال لي ابلغ مولانا الجزار عنا السلام وقل له..
بكم تدوم النِعَم وبكم ترتفع الهمم
الكاتب: ومالي انا وهذه الحكايات يا مولاي الجزار
هو يجوب العالم على اجنحة الملائكة كل ليله.. وما شأني انا بذلك؟
قل له.. قل له.. ان يخبرك
ان هو رآني اختلس درهماً او اخون أمانةً او اي شيء..
اي شيء يشكك باخلاصي لك.. يا مولاي
الجزار: سيكشف لنا الشيخ كل شيء
انا على ثقة بصدق احاديثه.. وأنا اصدق كل الكرامات التي تحصل للشيخ
اما انت ايها الكاتب فسوف تذهلك الحقيقة..
انك خائن ايها الكاتب..
الكاتب: اي حقيقة يا مولاي؟
الجزار: ان الشيخ يرى ويسمع دبيب النمل في الظلمات
لقد انكشفت امام عينيه حقائق الكون
تفضل يا شيخ.. حدثنا..
الشيخ: قبل بضعة ايام كنت في انطاكية.. وبينما الملاك يطير فيَّ فوق الجبال والغابات..
وإذا ببريق يلمع من بين الصخور
قلت للملاك اهبط.. واذا بكنز من الذهب.. حملته وعدنا لنمضي
وحين اقتربنا من اطراف المدينة سمعت بكاءً.. بكاءً مُراً..
قلت للملاك.. اهبط مرة اخرى.. وإذ بعشرات الايتام يبكون جوعاً..
فعرفت ان هذا الكنز كان لهم وسرقه الاشرار..
فاعدته إليهم وفرحوا به فرحاً كبيراً
الجزار: ما شاء الله.. ما شاء الله.. اكمل يا شيخ
الكاتب: وهل يرى مولانا في الظلام؟؟
الشيخ: نعم ارى في الظلام كما في النهار
الجزار: اكمل يا شيخ
الكاتب: حدثنا يا شيخ كيف يبدو الملاك.. وكيف تكون اجنحته؟؟
الشيخ: انه سر.. انا لا ابوح بالاسرار..
لكن اجنحة الملائكة من النور.. وكل ريشة تكون بالف لون
مهما حدثتكم لن تدركو سر هذا المخلوق..
انه ما لا عين رأت ولا خطر على بال بشر
الجزار: نعم اكمل يا شيخ..
كيف توصلت إلى خيانة الكاتب
الشيخ: انها النفس يا مولاي الجزار
النفس أمارة بالسوء
وانا ارى واسمع كل شيء..
الكاتب: “وقد خطرت بباله فكره.. قد تخلصه من هذه الورطة”
اذن يا مولاي الجزار..
افهم ان الشيخ قد رآني وسمعني وانا اختلس الاموال
الجزار: ها انت تعترف.. بالاختلاس
انها خيانة ايها الكاتب
الكاتب: هل رأيتني ايها الشيخ؟
الشيخ: قاتَل اللهُ الطمع
أنها النفس.. النفس امارة بالسوء
الكاتب: اذن انت يا شيخ تشهد امام الله والجزار
بانني قد خنت الامانة
واذا كان الامر كذلك.. والشيخ يرى ويسمع ويطير ويجوب البلاد
من الشرق الى الغرب بلمح البصر
فقبل ان اعترف بخيانتي يا مولاي الجزار
لي طلب واحد فقط
الجزار: اذن انت تعترف بالخيانة؟؟
اذن انت خائن
لقد صدقَ الشيخ..
الشيخ: انها النفس يا مولاي.. النفس امارة بالسوء..
الجزار: عليك اللعنة..
سأقطع رأسك الآن
الكاتب: لا يا مولاي الجزار.. لقد قلت ان لي طلب قبل ان اعترف بخيانتي
الجزار: طلب.. لا.. لن اقبل اي طلب.. ستموت بالحال
الشيخ: وما هو طلبك ايها الكاتب
الكاتب: طلبي من مولاي الجزار..
الجزار: لا.. بل سأجعلك عبرة لمن لم يعتبر
كنت اشك باخلاصك وامانتك لكنني ما كنت املك الدليل
كان علي ان اقتلك لمجرد الشك
إلا انني قلت.. ان مهارتك تفيدني.. لكنني كنت على خطأ
الكاتب: اتوسل اليك يا مولاي..
ان تهبني يوماً واحداً.. ومن ثم تقطع رأسي، تشننقنني.. تصلبني
لا يهم.. اعدك بان اكون بين يديك
لا اطلب سوى يوماً.. واحداً
الشيخ: انه طلب بسيط يا مولاي الجزار..
لقد اعترف بذنبه..
انا اكفل عودته..
الجزار: غريب امرك ايها الشيخ.. كيف تكفل عودته.. وانت من كشف حقيقة خيانته..
واذا هرب؟؟
الكاتب: كيف اهرب يا مولاي والشيخ وبلحظة واحدة ومن فوق اجنحة
الملائكة سيكشف عن مكاني .. وياتي بيَّ مكبلاً ذليلاً..
اقسم بشرفي لن اهرب
الجزار: تقسم بشرفك .. وهل للخائن شرف؟؟
الكاتب: اقسم بالله يا مولاي..
سأخرج الآن ولبضع دقائق.. وبعدها سأرجع
سأتيك بدليل على خيانتي
ومن ثم تهبني يوماً واحداً..
وبعده سأكون عندك.. تشنقني.. تقطع رأسي.. لا يهم..
لقد صدق الشيخ..
لم اكن اعرف ان هناك احد غير الله.. يعلم بكل شيء..
الجزار: انك امام الجزار ايها الكاتب
اذهب..
لك كما طلبت
ولكن اياك ثم اياك.. ان تفكر بان تخلف وعداً وعدته للجزار
الكاتب: معاذ الله يا مولاي..
“الكاتب يخرج خائفاً مذعوراً” سأعود في الحال يا مولاي
الجزار: اما انت ايها الشيخ الفاضِل
فاريد منك.. ان تخبرني عن كل صغيرة وكبيرة
انك ترى ما لا نرى وتسمع ما لا نسمع
وسأغدق عليك الكثير من الهبات والهدايا حتى تغرق في نعيم لا اول له ولا آخر
الشيخ: ادام الله مولاي الجزار
الجزار: لقد صدقت يا شيخ.. لقد إعترف بخيانته
الشيخ: انها النفس يا مولاي.. لعن الله النفوس الضعيفة
الجزار: اطلب يا شيخ.. اطلب ما تتمنى
سأجعلك من المقربين مني..
وستكون انت موضع سري وثقتي ومعزتي
الشيخ: بارك الله بمولاي الجزار واطال بعمره..
ما انا يا مولاي إلا خادمكم الامين
يسرني ما يسركم.. ويضرني ما يضركم..
الجزار: “يخرج كيساً من النقود ويلقي به للشيخ” خذ.. خذ يا شيخ
انك تستحق كل هذا..
الشيخ: اطال الله عمر مولاي الجزار وادام نعمه
الجزار: ألا تخاف ايها الشيخ من السقوط عن اجنحة الملائكة
وهي تطير بك بالظلمة وتجوب بقاع الارض من مشرقها لمغربها
الشيخ: انها حقيقة الايمان..
انه القلب العامر باليقين..
آه.. لقد نسيت
عليَّ ان اذهب الآن.. انني على موعد مع الملائكة
سنُسافر الليلة الى مكة.. ومنها الى اسطنبول ان شاء الله
الجزار: يا لك من محظوظ
يا لك من محظوظ..
الشيخ: سأصلي باذن الله العشاء في مكة
وسأصلي الفجر بعون الله باسطنبول..
الجزار: لا تنساني من دعائك يا شيخ..
الكاتب: “يدخل الى المكان وتبدو عليه علامات الخوف والرهبة إلا انه يتمالك نفسه ويبدو هادئاً”
السلام على مولاي الجزار وعلى شيخنا الصالح
الجزار: اجلس هناك بعيداً..
الشيخ: ارفق به يا مولاي الجزار
انه آخر يوم بعمره..
الجزار: لن ارفق بمن خان الامانة
الكاتب: اسمح لي يا مولاي الجزار ان اقدم لك دليل خيانتي
الشيخ: أيأمرني مولاي الجزار قبل رحيلي بشيء؟
الجزار: ابقَ قليلاً يا شيخ لا اريد ان اكون مع هذا الشخص
الذي بت امقته لوحدي..
اخاف ان اقتله قبل الموعد الذي قطعته على نفسي
الشيخ: ولكن كما اخبرتك يا مولاي.. فان موعدي مع الملائكة يقترب
الجزار: هات ما عندك ايها الكاتب
الكاتب: “يخرج من جيبه مسبحة”
هذه المسبحة يا مولاي هدية مني لك.. قبل ان اموت
هذه المسبحة الفريدة التي لم تقع العين على اثمن منها او أجمل..
قلت لنفسي اقدمها هدية لمولانا الجزار قبل موتي..
الجزار: “يُقلب المسبحة بين يديه”
انها حقاً مسبحة جميلة
لم ارى مثلها في حياتي قط.. “يمد يده ويناول المسبحة للشيخ”
الشيخ: “واقفاً يهم بالمغادرة، يتناول المسبحة ويقلبها”
يا إلهي.. ما هذا انها مسبحة ناقصة!!!
مسبحة ناقصة!! اين الشاهدان والمئذنة؟؟!!
كيف تجرؤ ان تهدي مولانا سبحة ناقصة
هل دين مولانا ناقص؟.. هذا استخفاف بهيبة الجزار وسلطانه
الجزار: ماذا..
مسبحة ناقصة..
الكاتب: نعم يا مولاي..
لقد فكرت ايضاً في هذا
عندما وجدت السبحة على حالها هذه قلت في نفسي..
هذه مسألة بسيطة حلها عند سيدنا الشيخ الذي يفر الدنيا كل ليلة..
الرجل الذي صنع المسبحة يقيم في مكة وهذا عنوانه على هذه الورقة..
ما على الشيخ إلا ان يخطف نفسه هذه الليلة
ويطلب من ذاك الصانع الماهر ان يصنع له الشاهدين والمئذنة..
هو وحده بامكانه ان يصنعهم بمثل هذه الدِقة والاناقة..
الجزار: نعم نعم..
لقد حدثني الشيخ انه سيسافر هذه الليلة على اجنحة الملائكة الى مكة
ايها الشيخ ابحث عن ذاك الصانع.. ها هو عنوانه
واحضر لنا الشاهدين والمئذنة
الشيخ: “وقد ادرك ان الامر يخفي بين طياته دهاءً ومكراً”
نعم نعم..
هاتِ المسبحة
وسيكون كل شيء على ما يرام..
الجزار: اريدك غداً بعد صلاة الفجر عندي ايها الشيخ
الكاتب: لا تتأخر يا مولاي الشيخ..
ولا ترجع إلا مع الشاهدين والمئذنة..
اريد ان يقبل الجزار هديتي كاملة قبل موتي
الشيخ: “وقد ارتبك بعد ان فهم عمق الورطة التي تحيط به”
نعم نعم
ان شاء الله..
الجزار: موعدنا.. صباح الغد ان شاء الله يا شيخ
الشيخ: بعونه تعالى
الكاتب: اطلب من مولاي الجزار ان يتمعن المسبحة ويتفحصها بدقة..
فهي مصنوعة من الكارب.. ومطعمة بالفضة والذهب
واظن ان لا مثيل لها على وجه الارض
الجزار: هاتها يا شيخ ودعني أتأملها مرةٌ اخرى
الشيخ: “لا زال مذعوراً من هول الموقف الذي احاط به، يناول المسبحة للجزار”
انها حقاً جميلة “يرمي الكاتب بنظرات حاقِدة”
الجزار: انها حقاً جميلة.. آية في الجمال
الشيخ: ولكن يا ايها الكاتب اظن انك خرجت لتأتي بدليل خيانتك
ما شأن هذه المسبحة بالخيانة
الكاتب: هذه المسبحة هي الدليل
الجزار: وكيف؟
الكاتب: هذا ما سأكشفه امام مولاي الجزار صباح الغد
عندما يعود الشيخ ومعه المسبحة كاملة
مع الشاهدين والمئذنة
الجزار: فليكن.. انا اعطيتك عهداً ان لا اقتلك إلا صباح الغد
فلننتظر ونرى
وعندما يعود الشيخ بالمسبحة كاملة
ستكون انت ايها الكاتب جسداً يلوح فوق حبل المشنقة
الشيخ: “وقد تبدل لونه وارتعدت مفاصله من حجم المكيدة التي المت به”
سيكون كل شيء وبعون الله على ما يرام
اما أنا فعلي الذهاب..
موعدنا اليوم مع الملائكة الى مكة واسطنبول
الجزار: مع السلامة يا شيخ
موعدنا صباح الغد
الكاتب: اتمنى لك سفراً ممتعاً وموفقاً يا مولاي الشيخ
الفصل الثاني - المشهد الاول
“الشيخ يقف حائراً في غرفة خافتة الضوء.. يبدو قلقاً مرتابا يسير باطراف المكان ببطئ وحيرة”
يا الهي ماذا افعل
لقد اوقعني هذا الكاتب اللعين..
لقد حفر لي حفرة لن اخرج منها ابداً
كيف يمكنني ان اتخلص من هذه الورطة
لقد صدق الجزار كل اقوالي.. لم يشك ابداً بصدقي
انه الكاتب.. انه الكاتب.. اريد ان اراه معلقاً فوق حبل المشنقة
اريد ان التذ وانعم واحصل على حب الجزار لوحدي
ما كان امري لينكشف لولا الكاتب.. انه ملعون وداهية
اما الجزار فعلى الرغم من بطشه وقسوته.. فانه انسان بسيط وغبي ايضاً..
كان بامكاني ان اجعله كما الخاتم باصبعي
يا إلهي..
اريد ان يأتي الصباح
واريد ان ارى الكاتب وقد طار رأسه عن جسده..
ولكن كيف؟؟ وانا انا من سيشنقه الجزار ان اكتشف ألاعيبي وكذبي
من اين سأعثر لهذه المسبحة على شاهدين ومئذنة
من اين وهذه المسبحة نادرة.. لم ارى مثلها بحياتي قط
ماذا لو اعترفت لمولاي الجزار وقلت له سامحني يا مولاي
سامحني.. ان حكايتي مع الملائكة كانت مجرد دعابة
اردت من خلالها ان اقصص عليك اخبار الناس..
وانني شعرت بانك تحب هذا النوع من الحكايات
وعندها وجدت نفسي اختلق لك الحكايات الجميلة التي
لا.. لا.. انه الجزار
انه لا يرحم..
والله لو قلت له ذاك.. لطار رأسي عن جسدي بتلك اللحظة..
انا اعرفه..
انه لا يعرف الرحمة
لقد بنى سور عكا على الاجساد والجماجم
انه لا يتورع ان يفعل بيَّ اي شيء..
سيجعلني طعاماً للطيور والكلاب..
يا إلهي ماذا افعل..
لعنة الله عليك ايها الكاتب
اشعر بحبل المشنقة يشتد حول عنقي..
اكاد لا استطيع ان التقط انفاسي.. لعنك الله ايها الكاتب
لا.. بل لعنني أنا..
الكاتب لم يفعل اي شيء ضدي..
بل انا من آحاك المؤامرات والدسائِس حتى اوقعت به
ماذا لو رحت الى الكاتب..
واعترفت له.. لا بد ان الحل عنده..
ولكن ماذا سيقول لي بعد ان اوصلته الى حبل المشنقة
لعنك الله ايها الكاتب من اين اتيت بهذه السبحة الغريبة
يا الهي.. كم هي جميلة
من اين حصل عليها هذا اللعين
ان هذه المسبحة ستقتلني
إنها ستقتلني!!! “يرفعها امام رأسه”
انها تُشبه حبل المشنقة
يا الهي..
انها تشبه حبل المشنقة
آه.. وجدتها.. وحق الله وجدتها
يا الهي كيف لم افكر بذلك من قبل
انها مسئلة سهلة وبسيطة..
كيف لم يخطر ذلك ببالي من قبل؟
ياه.. انني عبقري وداهية..
نعم انا عبقري.. وسيكون الجزار ملكي ملكي..
سأنعم بنعمه واتطيب واهنأ بكل ما سيغدقه عليَّ من اموال
سأكون رئيس ديوانه وستكون بيدي مفاتيح خزائنه..
إنها قضية سهلة
فانا عندي عشرات المسابح الجميلة والنادرة
سأفك من احداها الشاهدين والمئذنة وادخلها الى مسبحة الكاتب
وبهذا ستحل المشكلة
وسآتي صباحاً.. واقول له اسعد الله صباح مولاي الجزار
لقد وصلت لتوي من مكةَ.. لم اسافر الى اسطنبول
بل بقيت طيلة الليل بمكةَ عند صانع المسبحة
وقلت له اسمع ايها الصانع..
ان احد الاشقياء اهدى مولاي الجزار هذه السبحة النادرة
والتي صنعتها انت بيديك
ولكنها كانت ناقصة
وانا اخذت على نفسي أن آتي بها اليك..
اريدك حتى الصباح ان تصنع لي الشاهدين والمئذنة..
لن اعود لمولاي الجزار إلا بالمسبحة كاملة..
فقال لي: حياك الله يا شيخنا
وحيا الجزار صانع مجدنا..
وبقي طيلة الليل يشتغل
الى ان فرغ وجاء عمله متقناً.. غاية في الروعة والجمال
إليك السبحة الكاملة يا مولاي الجزار
وعندها سيستل الجزار سيفه ويطير رأس الكاتب
اما انا.. فسيقذف الي بكيس من المال وبكيس آخر من الذهب
وبكيس آخر من المجوهرات..
وسأكون اسعد اهل الارض وأغناهم
“الشيخ يخرج صندوقاً به مجموعة من المسابح ويبدأ بمقارنتها مع المسبحة”
يا الهي.. لا أجد حتى سبحة واحدة تشبهها..
ما العمل..
لعنك الله ايها الكاتب.. من اين جئت بهذه السبحة اللعينة
ثم لماذا ابحث عن حل لهذه المشكلة
لماذا لا آخذ هذه المسبحة الكاملة الى الجزار.. انها ايضاً جميلة
سأقول له هذه هي المسبحة
لا.. لكنه تمعن بها كثيراً.. وسيكتشف انها ليست مسبحة الكاتب
يا الهي.. لا اجد حلاً..
ان نهايتي اقتربت..
الحل هو عند الكاتب.. لماذا لا أذهب اليه..
انه هو الذي يخفي الشاهدين والمئذنة..
وانه هو الذي دَبر لي هذه المكيدة..
سأدفع له مالاً كثيراً.. لقد اعطاني الجزار مالاً كثيراً..
سأقول له..
ايها الكاتب الأمين
اعدك ان اقلع عن كل عاداتي السيئة..
اعدك ان اذكرك بالخير عند مولانا الجزار
ارجوك اتوسل اليك.. خلصني من هذه الورطة
لانني شيخ مسكين.. لم تكن لدي اي وسيلة تقربني من الجزار وتجعله يغدق الاموال علي إلا تلك الوسيلة التي جعلتني ابدو بنظره من الاولياء الصالحين..
هناك الكثيرون من الشيوخ غيري من الحافظين والعلماء والفقهاء
ولو لم افعل ما فعلت لاستبدلني بعشرة غيري
ولكنت سأهيم على وجهي في البلاد واعيش كغيري من الشيوخ
على الصدقات والموالد وفضلات الناس
أيرضيك ذلك ايها الكاتب..
سأبكي له قليلاً ربما رق قلبه لحالي
وسأقول له.. قاتلَ الله الطمع
اعدك ايها الكاتب ان اتوب على يديك
وسأعمل على ما يرضي الله سأكون مثلك
قليل الكلام كثير العمل
لا أتدخل بأي شأن لا يعنيني
سأكون انساناً آخراً
لن أنافق ولن اكذب ولن احسد ولن اكيد المكائد
ارجوك يا سيدي الكاتب
اعطني الشاهدين والمئذنة
ارجوك
يا إلهي.. كيف سيعطيني الكاتب الشاهدين والمئذنة
وان هو اعطاني سيكون الموت مصيره عند الجزار
انها مشكلة
انها مشكلة كبيرة وعويصة
كيف لم آخذ كل هذه الاشياء بالحسبان
ياه.. كم انا غبي ومتسرع
لقد قلت للجزار انني سأسافر الليلة على اجنحة الملائكة
الى مكة والى اسطنبول
ماذا لو ارسل الجزار حراسه وعيونه ليراقبوني
لا شك ان الشك دخل قلب الجزار
لا شك انه ارسل من يراقبني
اشعر ان احداً .. هناك في الخارج
نعم..
بالتأكيد انهم يراقبونني
وسيخبرون الجزار بأني كنت طيلة الليل في منزلي
ولم اغادره قط
عليّ ان اتظاهر بأنني قد سافرت
“الشيخ ينظر عبر النافذة الى الخارج، ان العتمة شديدة”
اقسم بانني ارى اناساً في الخارج
انهم بلا شك يراقبونني
عليَّ ان اخفت الضوء.. ان الذي بالعتمة يرى من هو بالضوء
“الشيخ يخفت نور المصباح في الغرفة”
عليَّ ان اتظاهر بأنني مسافر
“الشيخ يصرخ بصوت مرتفع كي يُسمع من يظن انهم في الخارج”
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
السلام على ملائكة الرحمن
لقد تأخرت قليلاً.. وخشيت ان تكون قد نسيت موعدنا
اقترب اكثر.. يا الله كم انت جميل
كل ريشة بألف لون
اقترب اكثر كي اصعد.. ومن ثم نطير الى مكة
الى مكة ايها الملاك.. الى مكة
“الشيخ يعود لينظر عبر النافذة الى الخارج ويعود لترديد تلك العبارات التي توحي لمن يظن بانهم يراقبونه بانه يكلم الملائكة قبل بدء رحلته”
ارجوك ان تطير باقصى سرعة الى مكة
“الشيخ يفتعل ضجيجاً وكان الملاك بدأ يطير”
لا تنطلق.. نسيت السبحة
اظن انهم سمعوا..
لا بد انهم سمعوا.. وسيخبرون الجزار انهم سمعوا..
والآن علي ان اختفي قليلاً في زاوية مظلمة
نعم علي ان اختفي.. وافكر بمصيري البَائِس وبهذه الرأس التي ستطير عن جسدي عند الغد
يا الهي ارجوك ساعدني
اريد ان اتوب عن كل ذنوبي ومعاصي.. اريد ان أتوب
“تسمع طرقات على الباب
الشيخ يرتجف خائفاً في الزاوية المظلمة”
انهم حراس الجزار.. جاءوا للتأكد من وجودي
لن ارد عليهم
لا شك انهم سمعوني اكلم الملاك
وجاءوا ليتأكدوا.. ماذا افعل؟
“الطرقات فوق الباب تزداد قوة.. ومن ثم صمت”
يا الهي انهم هم.. لن افتح
هنالك بعض الساعات حتى الصبح لماذا يريدون قتلي الأن
اريد ان اعيش..
لماذا يريدون لي الموت.. بعد ان صرت املك المال
وبأمكاني ان اعيش بقية عمري دون ان أمد يدي
ودون ان اذل نفسي واتاجر بالتجارة الخاسرة..
اتركوني اعيش
“الطرقات فوق الباب تعود بقوة ويخلفها صمت”
ما هذا الكابوس؟!..
انه كابوس
لا يمكنني ان احتمله اكثر
سأفتح الباب وليكن ما يكون..
لا احتملُ..
انني سأموت..
يقترب من الباب ويلتصق بالباب ليصغي للطارق..
لا بد انهم ذهبوا..
سيخبرون الجزار ان لا احد في البيت
وانهم سمعوني اكلم الملاك ومن ثم اختفينا في ظلمة السماء
نعم.. لقد ذهبوا..
الحمد لله.. لقد ذهبوا..
“ما ان يبتعد عن الباب قليلاً حتى يعود الطرق”
سأفتح!! لا!! بل سأفتح
“الطرق يعود فوق الباب.. وصوت يأتي افتح انا الملاك جئت احملك الى مكة
الشيخ يقف الى جانب الباب مذعوراً خائفاً وبعد تردد شديد يفتح الباب واذا بالكاتب”
الشيخ: ارجوك..
اتوسل اليك.. ساعدني
الكاتب: أنا.. وكيف لي ان أساعدك؟
انا جئت اودعك.. لانني سأموت غداً..
قلت لنفسي.. قبل الموت لا بد ان اودع الاحباب والاصحاب
وعندما وقفت عند بابك.. وقد وقفت طويلاً[/align]
مسرحية
الفكرة المركزية لهذه المسرحية
عن قصة الكاتب الكبير الراحل توفيق زياد
“الشاهدان والمئذنه”
من مجموعته القصصية “حال الدنيا”
The Butcher
“Drama”
Yaqub Ahmed Yaqub
زهرة على قبر رجل:
توفيق زياد الكاتب، الشاعر، المناضل والانسان.. أحب فلسطين فاحبته.. احبته بصدق قلما وهبته لغيره من ابنائها.. وما ذاك إلا لصدقِه وتفانيه وعطائه لها دون حدود..
او دون نفاق.. او دون مهادنة...
هكذا كان..وهكذا سيبقى..
شامخاً كاشجار السنديان..
جارحاً كاشواك الصبار..
متربصا كعيون النجم...
وكان يدرك كل الادراك ان اشواك الصُبار.. سيدة الاشواك تبقى دائماً متيقظة، متألقة، متربصة، جارحة،
تدمي وتلسع كل يد تمتد لتنال من تلك الاشياء القريبة الى القلب والى التراب والى الحياة..
توفيق زياد وببساطة الفلاح وعبقرية الثوري..
كان يترجم نبض الارض ونبض الجرح ونبض الحلم معاً..
عن كتابه حال الدنيا.. كتب توفيق زياد:
“تراثنا الشعبي الفولكلوري غني وزاخر بقدر ما هو غني وزاخر كفاح شعبنا على مر العصور والاحقاب ..
وابطال هذا الادب المختلفون هم وجوه متعدده للبطل الاساسي.. الشعب كمجموع
ان خطر الضياع قضى على كنوز كثيرة
وهو يهدد الكنوز الباقية.. والكنوز التي تولد كل يوم..وعلينا ان لا نسمح بذلك..
فيا كل الادباء والشعراء..
ويا كل الذين على صلة بمدى او بآخر بهذا التراث الشعبي ارموا باحجاركم.. في هذا الدلو”
حال الدنيا.. هو ليس كتاب عادي..
انما هو دُنيا.. تغص بالكتب..
منذ القراءًة الاولى لهذه المجموعة.. استولى عليَّ هذا العمل الادبي..
واستوطن كياني فصرت لا اتخلص منه إلا بالعودة اليه.
لم اكن اعرف ما اريد منه.. ولا ما هو يريد مني..
وما توصلت اليه لاحقاُ.. ان حال الدنيا.. لم يتغير....
لقد رحل الكثيرون.. وقد يتغير المكان قليلاً.. او الزمان اكثر..
قد تتغير الاسماء والوجوه والملامح.. لكن الحال هو الحال...
لقد رحل توفيق زياد.. رحل ذلك الرجل الشجاع لكن صوته بقي يصرخ...
رحل وترك لنا هذا الارث الادبي الخالد..
الذي اضحى جزءاً منا.. من هويتنا.. من ثقافتنا.. من هوائنا.. من حلمنا..
حال الدنيا..
هي ثلاث عشرة قصة..
تصلح لان تكون ثلاث عشرة مسرحية.. او ثلاثة عشر فيلماً..
لكن هذا العمل بحاجة الى جهد وعناء والكثير من الوقت ..
لقد بدأت هذا المشوار بالخطوة الاولى..
حيث وعن قصة “الشاهدان والمئذنة” حاولت صياغة هذه المسرحية (مسرحية الجزار)..
على أمل ان اكون بهذا قد وفقت..
وان كبوت فيبقى لي شرف المحاولة التي كان وسيبقى الراحل جديراً بها..
والغاية من هذا العمل ان تنطلق هذه الاعمال الادبية فتكون سرباً من العصافير ينطلق
ويحط ويعشش على اشجار هذا الوطن..
فينعم الناس بتغريدها والوانها واعشاشها..
يعقوب احمد يعقوب
شباط 2004
الفصل الاول
الاشخاص:
w الجزار: رجل متقدم بالسن.. مكتنز المبنى مظهره الخارجي لا ينعكس على سنه المتقدم.. ملامحه تدل على الكثير من القسوة شديد التطيُّر بنفسه سفاحاً قاسياً لا يتورع ان يظلم دون سبب.. انه الجزار المعروف بظلمه وقسوته..
ولد الجزار سنة 1720 في احدى قرى البوسنة، وهرب من بلاده الى الاستانةـ وبيع عبداً في مصر وصار مملوكاً في قصر احمد بيك ابي الذهب الذي اعجبته قسوته وقدرته على الفتك وتدبير المكائِد فاستخدمه ضد اعدائه ففتك بهم وبطش ولقب بالجزار توفي سنة 1804 بعد ان كان والياً على فلسطين وبعض بلاد الشام ودفن في عكا.. وهو الذي صمد عكا اثناء حصار نابليون لها سنة 1799.
w الشيخ: شيخ متقدم بالسن، تبدو على ملامحه علامة التقى والورع إلا ان قلبه به من الفساد والخبث ما يجعله لا يتورع عن النفاق والكذب اذا اعتقد ان ذلك سيرفعه في عيني الجزار..
دائم الكلام جبان الفؤاد دائم الخوف على موقعه قليل الثقة بنفسه وبه من الدهاء الكثير الكثير.. ما يجعل شخصه غير مظهره..
w الكاتب: رجل عمل يقوم بواجبه على اتم وجه قليل الكلام يعمل على ادارة حسابات الجزار وولايته بِمَ بها من دواوين وسجلات.. هادئ النفس متوقد الذكاء..
يدرك ان قسوة الجزار لا أمان لها.. ويدرك تماماً انه يقف على ارض متحركة تحركها الوشايات والنفاق.. ومن يَرضى عنه الجزار اليوم قد يكون فوق اعواد المشنقة في الغد..
“المكان ديوان الجزار حيث يجتمع الجزار مع افراد حاشيته المقربين وهناك تُناقش
الامور المختلفة المتعلقة بادارة الولايه وغالباً ما تتفرع اطراف الحديث الى امور شتى..
هذا الامر ما كان ليكون بهذه الاهمية لولا ان الشيخ يحمل بين جانحيه الكثير من الخبث والدهاء ولم يكن يعجبه ان الجزار يثق بكاتبه ويعلي مراتبه باستمرار.. كان الشيخ يرى في هذا تخفيفاً له ولقدره.. لذا.....”
الجزار: ”يتصدر الديوان على مقعده الوثير..
يحمل بيده عصا مزركشة يضرب بها على يده الاخرى”
ان إصلاح السور وتوسيعه حول عكا
قد كلف الخزينة من المال الكثير الكثير
ولا يهمني ان الامطار كانت شحيحة هذا العام
اريد ان تُجبىَ الضرائب بنسبة اكبر من المعتاد
اريد لكل النفقات ان تُغطى
ولا يهمني حتى وان جاع الناس
الكاتب: ان احوال الناس بدأت تسوء يا مولاي
خصوصاً وان المحاصيل ستكون اقل مِمَ كانت عليه..
بسبب شُح الامطار هذا العام
الجزار: لا يهمني..
الناس ايها الكاتب.. دائماً لا يحبون الدفع
حتى لو امطرت عليهم السماء ذهباً.. هكذا هم الناس
ولكن...
اريد ان يخرج المنادي بين الناس وينادي
ان كل من يتخلف عن دفع الضرائب
سآمر بقطع رأسه..
وقد توفرُ الجثث علينا الكثير من مواد البناء..
إن هي وضعت مع الجماجم بين الاحجار في السور..
الناس وُجدوا لخدمتنا.. لا نحن لخدمتهم
الكاتب: بعون الله يا مولاي.. ستكون الامور على ما يُرام..
ان من هزم نابليون وجحافل جنده.. من شأنه ان يهزم ايَّ معضلة تواجهه
الجزار: لقد تهدم السور بعدة مواقع من قصف اللعين نابليون
وإن تصليحه سيكلف الخزينة الكثير الكثير..
اكتب ايها الكاتب..
الى كل الولايات.. والألوية والسناجق
فرمان صادر عن حكومتنا لعام 1214هـ 1800م
الى الباشوات المحترمين
فيما يلي متطلبات حكومتنا من حضراتكم
w ضريبة المسقفات - أربعة في الالف من كل بناء مسقوف
w ضريبة العُشر - عشرة بالمائة من المحاصيل الزراعية.
w ضريبة الاغنام - اربعة قروش عن كل راس
w ضريبة العمال - كل عامل يدفع ستة عشر قرشاً في السنة
هذه السنة كل الضرائب تجبى مضاعفة وتُرسل خلال شهر وعلى وجه السرعة
كل من لا يلتزم بهذا البيان.. مصيره الموت.. انتهى
الكاتب: امرك يا مولاي..
لقد كتبت كل شيء
الجزار: هاتِ الفرمان اوقعه بختمي
جميل جداً..
انك كاتب ماهر
ومُحاسب دقيق ومخلص
الكاتب: هذا من لطفك يا مولاي..
انه لشرف لي ان اخدمكم وان أنالَ رضاكم
الجزار: “مُداعباً” فكرتُ ان اعطيك مكافأة..
الكاتب: ان رضاك يا مولاي هو خير مكافأة لي..
الشيخ: “داخلاً وقد لاحظ مدى التقارب والانسجام بين الجزار والكاتب”
اسعد الله نهار مولانا وتاج رأسنا وولي نعمتنا الجزار
الجزار: “ضاحكاً مع الكاتب”
انك ابن حلال يا شيخ.. كنت سأسأل الكاتب عنك لماذا تأخرت
الكاتب: ان شيخنا في الآونة الاخيرة
يقضي جُلَ وقته بقراءَة القرآن والصلاة والذكر
الشيخ: “وقد فهم قصد الكاتب من انه على العكس من ذلك”
صدقت ايها الكاتب
انني كثير الصلاة.. كثير الذكر والدعاء
فان للجزار حق علي ارده له بالدعاء له..
انني يا مولاي الجزار ادعو لك باليوم مئات الدعوات
الجزار: شكراً يا شيخ.. شكراً
نفَعَنا الله من بركتكم
الشيخ: ان بركتنا يا مولاي.. انتم.. الناسُ ولدتهم امهاتهم كلهم لخدمة الجزار
ان رَضيتم عنا..
لا يهمنا ان يغضب الباقون “ينظر الى الكاتب”
رضاكم يا سيدي هو النور الذي يضئ حياتنا
الجزار: إن كلامك يا شيخ له حلاوة العسل
الشيخ: بل شكركم يا سيدي
حين أشكركم على نعمكم وفضائلكم وحُسن رعايتكم
فانا اشعر بسعادة وطمأنينة لا توصف
اطال الله بعمركم
وجعل مثواكم جنان الخلد يا مولاي الجزار
الكاتب: “ وقد ضاق ذرعاً بنفاق الشيخ”
اين كانت رحلة شيخنا البارحة؟
الشيخ: هذه الاشياء لا ابوح ها إلا لولي نعمتي وقبلة روحي ونور عيوني الجزار
الجزار: لكن الكاتب..
الشيخ: اعرف يا مولاي انك تُحبه.. او كنت تحبه.. ولكن..
الجزار: كنت احبه؟!..
لماذا كنت؟.. انني لا زلت احبه..
انه كاتبي.. وانه سندي المخلص الامين..
الشيخ: “وقد بدأ عليه الامتعاض”
لا اقصد يا مولاي..
انما قصدي..
ان هناك اشياءٌ في صدري.. لا احب ان يشاركك بها احد..
ان هذه الكرامات التي تحصل لي
انها يا مولاي..
الكاتب: ولكن يا صديقي الشيخ.. هذه الكرامات التي تتحدث عنها
انت بنفسك كنت تقصصها أمامي دون ان يضايقك أَمر حضوري
الشيخ: صدقت ايها الكاتب
ولكن الكرامات التي تحصل لي في الايام الاخيرة..
طُلب مني.. ان لا اقصها على احد.. إلا على مولاي الجزار
الجزار: طُلب منك؟..
وهل تطيع اوامر احد غيري؟
الشيخ: حاشى وكلا.. انا لا اطيع إلا انت يا سيدي
انت سيدي وولي نعمتي.. وقرة نفسي.. وهذا الاخلاص لمولانا هو نصف الدين
الجزار: اذن من الذي طلب منك؟
الشيخ: انهم اسيادنا الاولياء والصالحون يا سيدي الجزار
سيدنا يوسف الصديق يا مولاي الجزار
عندما قص رؤياه.. على ابيه.. قال له لا تقصص رؤياك على اخوتِك
فما بال مولاي الجزار؟!
وانا رؤياي حقيقة.. ان أقصها امام من قد يشك بصدقها
ان نظرات الكاتب حين حدثتكم البارحة وقبل البارحة
عن تلك الكرامات كانت تضايقني وكان بها شك لا افهمه
الكاتب: انا.. اعوذ الله ان اشك بكلمة من كلامك
لانني على اتم القناعة يا مولاي الجزار
بأن الشيوخ لا يكذبون.. ابداً لا يكذبون
الشيخ: صدقت ايها الكاتب
الكاتب: لم اسمع بحياتي عن انسان يخاف الله ويؤمن بالحساب والآخرة ويكذب
فما بالك ان يكون الانسان شيخاً
اي انه قمة بالايمان والخوف من الله وحسابه
الشيخ: صدقت ايها الكاتب..
الجزار: آرى انه لا خلاف بينكما..
وارى ان الكاتب يكيل لك المديح
ألا تكون ايها الكاتب.. قد صرت مُريداً عند الشيخ؟!
الكاتب: أسأل الله ان يغفر للشيخ ولي ولنا جميعاً
الشيخ: أما لمولاي الجزار.. ولي فقد غفر الله لنا
واما لك ايها الكاتب فاسأل الله ان يهديك.. لسواء السبيل
الجزار: هل قلت ان الله غفر لي ايها الشيخ؟
الشيخ: نعم يا مولاي.. نعم
سيغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر
فانا ما صليت ركعة إلا ووهبتها لك
وما دعوت دعاءً إلا ودعوت لك..
وما ذكرت وما استغفرت وما انفقت وما خطبت على منبر
إلا وسألت لك الجنة قبل ان اسألها لنفسي
الجزار: أتحبني الى هذا الحد يا شيخ؟..
الشيخ: واكثر يا مولاي.. واكثر
ولا اتمنى يا مولاي إلا ان اموت قبلك
كي لا اذوق حسرة فراقك يوماً
فكيف وان غضبت عليَّ في حياتي
ستغدو حياتي قاتلة مُرَّة كالعلقم
الجزار: جميل كلامك يا شيخ جميل
ماذا تقول ايها الكاتب؟
الكاتب: “ وقد ادرك ان الشيخ يسير إلى مبتغاه وقد اوقع الجزار بعذب كلامه”
انا يا مولاي الجزار؟؟!!
الجزار: نعم ايها الكاتب
نحن نحب ان نسمع رأيكم فينا
انتم ايها الكاتب لا تتكلمون كثيراً
الكاتب: انا يا مولاي.. اخدمكم بعملي..
انا لا اجيد الكلام والبلاغة كما الشيخ
ولكن الله وهبني حب الأرقام اكثر من حب الحروف
فأنا اخدم مولاي الجزار
بان اكون الامين الوفي على دواوينه وحسابات دولته
الجزار: نعم انتم مخلصون
إنا نشهد انكم مخلصون
الشيخ: نعم ان وظيفة الكاتب يا مولاي الجزار..
وظيفة عظيمة واشهد انها صعبة وشاقة
ولكن على من يؤتمن عليها ان يصون الامانة.. ان الامانة حمل ثقيل
الجزار: صدقت يا شيخ.. ان الامانة حمل ثقيل
والله لو شك الجزار يوماً بخيانةِ من أمنه
لجعل رأسه يطير عن جسده بنفس اللحظة
الشيخ: “ وقد شعر بأن الكلام يتجه الى حيث أراد ان يوجهه لزرع الشك بنفس الجزار”
صدقت يا مولاي.. ان الخيانة أقبح ما بالانسان من خصال
كفانا الله شر الخيانة والخائنين
الكاتب: “ وقد شعر بِمَ بنفس الشيخ من غدر تجاهه”
والله ان الخائن يا مولاي الجزار.. تبدو الخيانة على وجهه من النظرة الاولى..
انا يا مولاي انظر الى الانسان نظرة واحدة فادرك ان كان خائناً او وفياً..
الجزار: انا دون نظر ادرك ذلك..
لقد قطعت من الرؤوس ما لا يُحصى عدده..
لانهم فكروا بالخيانة..
الكاتب: ان الخيانة يا مولاي وكما قال الشيخ
اقبح خصال الشر..
والخيانة قد تكون بين الرجل واهل بيته
وبين الصاحب وصاحبه.. وحتى بين الانسان ونفسه
قد يخون الانسان نفسه يا مولاي الجزار
الجزار: وكيف ذلك ايها الكاتب؟
الكاتب: ان هو خان ما يؤمن ويعتقد به..
قد يخون المعلم وظيفته فيخرج الطلاب بلا علم جهلاء
وقد يخون الشيخ رسالته فيشوه الدين ويجعله بلاء
الشيخ: لا.. يا مولاي الجزار.. أسأل الله لك ولي العافية
ان كلام الكاتب قد جاءَ بتشبيه كريه.. لا يليق بأن يقال..
انه على علم بالارقام لا بالكلام..
قد يخون الناس جميعاً.. ولكن الشيوخ.. لا..
الكاتب: لماذا انتفضت من حديثي؟
ولم اكن أقصد ابداً.. انك الشيخ هو المقصود بكلامي..
الشيخ: لا بل انتفضت يا هذا لانك حاولت ان تنال من الشيوخ
وانا منهم.. من سب شيخاً سب الدين..
الكاتب: معاذ الله... انا يا مولاي الجزار
كنت اتحدث عن انماطٍ من الخيانة
الجزار: لا توجد انواع من الخيانة.. الخيانة واحدة
وعقابها الموت.. نعم الموت
الشيخ: نعم صدقت يا مولاي الجزار.. الخائن عقابه الموت
الكاتب: ومن الذي سيحدد من هو الخائن؟
الشيخ: غريب امر هذا الكاتب.. اعطاه الله علم الارقام
ونراه اليوم يتكلم وكأنه عالم بعلوم الكلام..
مولانا الجزار هو وحده المخوّل شرعاً وعلماً وقدراً
بأن يحدد من هو الخائن..
الجزار: صدقت يا شيخ.. انا.. انا وفقط انا..
الشيخ: انت ولي نعمتنا.. انت من يهب النعمة ومن يمنعها
وانت من بسيفك هذا تفرق بين الحق وبين الباطل
وما انا يا مولاي.. إلا عبد صالح يدعو لك الله ان يطيل بعمرك ويسدد خطاك..
الجزار: احسنت يا شيخ..
الشيخ: انا يا مولاي عبد شاكر لا يغفل قلبي ولا يَمَلُ لساني
ورضاك هو مبتغاي ومُنتهى أملي في هذه الدنيا الفانية
الجزار: بوركت يا شيخ..
والله انك رجل به من الصلاح والصدق ما لا اجده عند الآخرين
الكاتب: هل يأمرني مولاي الجزار بشيء قبل إنصرافي لمعالجة بعض الامور
الجزار: لا.. ولكن عليك اليوم ان ترسل الفرمان الى الآلوية والسناجق
اليوم قبل الغد..
“الكاتب يخرج وقد شعر بانه من خسر تلك الجولة
وان الجزار قد وقع بشباك الشيخ وبسحر لسانه المعسول”
استودعك الله يا مولاي الجزار
سأعود حالما افرغ من مهمتي..
الشيخ: أما الآن يا مولاي الجزار فابمكاني ان ابوح لك ببعض ما صادفني من “الكرامات”
التي يشيب لها شعر الوِلدان والتي خصني الله بها من دون غيري
وما ذاك إلا لشدة ايماني وصدقي واخلاصي لله ورسوله
وللجزار ولي نعمتي ومُنتهى سعادتي..
الجزار: اقترب إليَّ يا شيخ... اقترب...
فانا قد بلغت من الكبرِ كثيراً.. زدني من دعائِك..
اظنك من الصالحين وادعية الصالحين مستجابة
الشيخ: “يقترب من الجزار وهو بمنتهى السعادة”
سأقرأ عليك بعض الادعية..
وما عليك يا سيدي إلا ان تتوكل على الله وتقول آمين
الجزار: آه يا شيخ.. لقد شاب الرأس.. وارتخت المفاصِل
انه الهرم يا شيخ.. داء ما له دواء..
الشيخ: لا يا مولاي الجزار.. لكل داء دواء باذن الله
فانت وباذن الله شاباً كنت وشاباً ستبقى
الجزار: ان في كلامِك يا شيخ حلاوة..
الشيخ: من احبه الله.. حببَ الخلق به
الجزار: صدقت فان لك في قلبي مَعَزَة... مَعَزَة كبيرة..
الشيخ: وانت يا مولاي.. ان قلبي ليكاد يخفق باسمك
وكدت احسد نفسي على حبك لي
وكدت احسدك على حبي لك..
الجزار: “ضاحكاً” اننا نتبادَل اطراف الحديث كعاشقين..
الشيخ: “ضاحكاً” والله انني يا مولاي بت لا اطيق فراقك للحظة
الجزار: لكنك في الآونة الاخيره بتَّ تغيبُ كثيراً يا شيخ
الشيخ: انها الكرامات يا مولاي الجزار... إنها الكرامات
الجزار: حدثني عن كراماتك.. عَلَّ الله ينفعنا من بركاتِك..
الشيخ: ان الكرامات يا مولاي الجزار.. يهبها اللهُ من سمائه السابعة
لعباده المخلصين الصادقين..
وأنا والعياذ بالله من كلمة أنا..
قد غمرني الله بكرامات لا تعد ولا تُحصى
حتى صرت أُكلم الجبال وتكلمني.. واحدث الاشجار وتحدثني..
واطير على اجنحة الملائكة فاجوب بقاع الارض من مشرقها الى مغربها
هذا الخاتم يا مولاي الجزار هدية لك “يسحب خاتماً من اصبعه ويضعه في اصبع الجزار”
الجزار: ياه.. انه خاتم جميل..
انه جميل جداً..
من اين حصلت عليه؟؟
الشيخ: إنها الكرامات يا مولاي.. إنها الكرامات
الجزار: هاتِ ما عندك وحدثني عن كراماتك فقد زدتني شوقاً
الشيخ: هذا الخاتم الذي وضعته في يدك يا مولاي
هو خاتم احد الصالحين.. في مسجد سمرقند
سيحرسك بعون الله من المرض والهم والغم
ويكفيك شر العين والشياطين والحسد.. قل آمين
الجزار: انه رائع.. انه جميل.. آمين
الشيخ: لقد قدمه لي احد الحكام الصالحين من سمرقند البارحة عندما زرتها
الجزار: زرت سمرقند البارحه.. واجتمعت بحاكمها؟؟
الشيخ: نعم يا مولاي.. زرت طشقند وسمرقند ونيسابور والبصرة..
الجزار: وكيف ذاك؟؟
الشيخ: انها الكرامات يا مولاي..
ان الملائكة تحملني وتطير بي
الجزار: يا إلهي..
الشيخ: وما العجب يا مولاي..
ان الله يخص عباده الصالحين بكرامات لا تُعد ولا تُحصى ويفتح عليهم ابواباً فيرون ما لم يخطر على بال بشر...
الجزار: هات يا شيخ.. حدثني فانني بشغف شديد لسماع المزيد..
الشيخ: عندما تحملني الملائكة على اجنحتها الطاهرة وتنطلق
ارى الارض تحتي كسجادةٍ صغيرة مزركشة..
وبسرعة كسرعة البرق تطوي الملائكة البحار والجبال والسهول
وتنقلني من بلد لآخر
وتهمس الملائكة في اذني اسرار الكون واسرار الخلق
فابصر وارى واسمع دونما حجاب..
الجزار: اكمل يا شيخ اكمل
الشيخ: بعض الاشياء أحمد الله لان جعلني اعرفها
وبعضها الآخر.. يبعث في نفسي الأسى والحزن..
واقول ليتني لم اعرفه..
الجزار: مثل ماذا يا شيخ؟؟
الشيخ: افرح عندما اعرف من هم الاصدقاء والمخلصين
واغضب عندما اعرف من هم الخونة والمخادعين
الجزار: اكمل يا شيخ.. واخبرني بكل ما تكشف لك من اسرار وحقائق
الشيخ: بالامس همّس لي الملاك الذي كان يحملني
وقال: الجزار مولاك هو اعدل من في الارض
واكرم من في الارض..
وان طيبة قلبه تفوق طيبة قلوب اهل الارض جميعاً
الجزار: اشعر بانه يعرفني
انه يعرفني حقاً
الشيخ: وقال لي كذلك ان مشكلة مولاك الجزار تكمن في طيبة قلبه..
رغم قسوته احياناً.. فالقسوه احياناً تكون واجبة
الجزار: نعم.. القسوة احياناً واجبة
هل اوضح لك كيف تكون مشكلتي في طيبة قلبي
الشيخ: اجل يا مولاي اجل
قال ان بعض المقربين يستغلون طيبة قلب مولاك الجزار لمصالح ومنافع شخصية فالبعض يختلس والبعض يسرق..
الجزار: “غاضباً” يختلسون مني يسرقون مني؟؟.. يا للهول
من هؤلاء
سأعلقهم على اعواد المشانق
الشيخ: اهدأ يا مولاي اهدأ..
سأتيك باخبارهم
وسأفضح لك اسرارهم
وسأكشف امامك حقائق ما تخفي نفوسهم..
الجزار: تكلم يا شيخ.. الأن اريد ان اعرفهم
سأجعل رؤوسهم تتطاير عن اجسادهم..
الشيخ: اهدأ يا مولاي..
سيكون كل شيء على ما يرام..
الجزار: ان كلامك يا شيخ يحيرني
كيف يكون من رعيتي من يخونني دون ان اكتشفه
سأجعل سيفي هذا يأكل من رقابهم..
الشيخ: يجدر بنا يا مولاي الجزار ان نكون على حذرٍ
ندعهم.. وكأن امرهم لم ينكشف لنا..
وبعدها تنقضُ عليهم كالنسر الجارح..
الجزار: سأقتل كل من تسول له نفسه خيانة الجزار
الشيخ: حين يأتي الملاك ويحملني على جناحيه الطاهرين يا مولاي..
أرى الارض كلها كما الصحن الصغير امامي
ارى الناس دون ان يروني.. واسمعهم دون ان يسمعوني
وحتى نفوسهم تنفضح امامي..
البارحة رأيت كاتبك يا مولاي..
الجزار: كاتبي.. ماذا رأيت به؟
اظنه مخلصاً ومتفانياً بعمله
انه يقوم بعمله على أتم وجه ومنذ سنين لم اعهده إلا خادماً مطيعاً
الشيخ: ألم اقل لك يا مولاي.. ألم اخبرك سابقاً عن طيبة قلبك
ان الامور تختلف حين يتطلع عليها من انكشفت امامه الحجب
ومن بدت له سرائر النفوس
كاتبك يا مولاي.. هو على العكس مِمَ تظن.. على العكس تماماً
الكاتب: “يدخل الى ديوان الجزار” السلام عليكم ورحمة الله..
الشيخ:” وقد افسد عليه الكاتب خطته عند دخوله الغير متوقع..يرد ببرود”
وعليكم السلام..
الجزار: “وقد ضاق صدره لدخول الكاتب قبل ان يسمع من الشيخ ما هم قوله بصدد الكاتب”
وعليك السلام
الكاتب: أرى انني جئت في الوقت المناسب..
لقد سمعت الشيخ يذكرني امام مولاي الجزار
الجزار: اكمل يا شيخ
اكمل اريد ان أسمع كيف يكون كاتبي على عكس ما اظن..
الكاتب: انا..
انا على عكس ما يظن بيَّ مولاي الجزار
الشيخ: “مرتبكاً وقد أحس ان موقفه اصبح حرجاً.. اذ عليه ان يلطخ اسمَ الكاتب وبحضوره..”
نعم يا مولاي
بينما كنت أطير فوق جناحي الملاك.. ان الجناح الواحدة..
من جناحيه يا مولاي قد تحجب الشمس عن الارض لا تساعها
وكل ريشة من ريشه بها الف لون
الكاتب: وما دخلي انا بهذه الحكايات يا شيخ..
ظننت انك قد جئت بشيء جديد..
هذه الحكاية سبق وسمعناها اكثر من مرة..
وسمعنا كذلك ان الملائكة قد حملتك وطارت بك
الى سمرقند وطشقند والبصرة والى الشام ومصر وانطاكية ومكة وما الى ذلك..
ما الجديد يا شيخنا
الشيخ: الجديد ايها الكاتب.. انني والحمد لله..
قد ازال الله عن عينيَّ الغشاء وعن سمعي كذلك
وصرت ارى واسمع ما لا يراه غيري ويسمعه
الكاتب: أحقاً يا شيخ..
اظنك قد بلغت منزلة الانبياء
الجزار: “متضايقاً من الكاتب” دعه يكمل ايها الكاتب
دعه يكمل ان في كلامه سحر
وفي حكاياته تشويق لا استطيع ان اقاومه
الكاتب: ولكن علي يا مولاي ان استشيرك بشأن بعض الامور التي ان نحن قمنا بتنفيْذها قد تشعل نار الفتنة بين الناس فان ما طلبت مني من مضاعفة الضرائب وخصوصاً بهذا العام الذي شحت امطاره وقلت محاصيله قد يثقل كاهل الناس فلا يجدون امامهم إلا العصيان
الجزار: العصيان؟
هل يجرؤ احد على اعلان العصيان على الجزار؟
لا اريد اي نصح في هذا المجال.. اريد ان تنفذ اوامري بكاملها وبالحال
الكاتب: امرك سيدي..
ولكن عودتني في السابق.. على ان لا اتردد في توضيح بعض الامور
وعودتني كذلك على ان تأخذ رأيي وتستشيرني وخصوصاً في مجال الضرائب والاموال التي هي ضرائبك واموالك..
الجزار: قلت لك لا اريد نصائحاً من احد.. نفذ اوامري كما امرتك بها
الكاتب: “متضايقاً لشعوره بمعاملة الجزار المختلفة له” أمر مولاي
الجزار: اكمل يا شيخ..
وحدثنا بشأن الكُتاب ولا تخفي شيئاً
الكاتب: هل يأمرني مولاي بالانصراف
الجزار: ليس بعد..
بامكانك البقاء ألا يهمك ما سيقول الشيخ بصدد الكُتاب؟
الكاتب: بلى والله يهمني..
وخصوصاً ان كرامات سيدنا الشيخ..
قد باتت تهم مولاي الجزار اكثر من اي شيء اخر
انا حال دولتكم يا مولاي وخصوصاً بعد الحروب الطويلة مع نابليون والافرنج
قد باتت صعبة وتكدست الديون وقلت الاعمال والاشغال
وصار لا بد لنا من أخذ الامور على محمل الجد..
الجزار: دَع تلك الامور.. سنعالجها لاحقاً
اكمل يا شيخنا.. اكمل
الشيخ: وبعد الصلاة على سيد المرسلين.. ومن سار بدربه ووالاه الى يوم الدين
ان النفسَ أمارةٌ بالسوء..
والانسان الصالح والتقي من يجلد نفسه التي تأمره بالمعاصي والخيانة
يجلدها بالعمل الصالح والصلاة والذكر والصيام والوفاء
الكاتب: كلام جيد.. وبه مصلحة الناس وينطبق علينا جميعاً
لا فُظَّ فوك يا شيخ
الجزار: لو تكرم شيخنا.. وكشف لنا ما تكشف له في كراماته عن الكُتاب..
هذا الامر يقلقني كثيراً.. خاصة وان أمانة الكُتاب هي اهم شيء عندي
فهم القائمون على الاموال والمدفوعات وممتلكات الدولة..
الشيخ: صدقت يا مولاي..
الكتاب حَملة الاقلام..
جُل عملهم.. بالمال والارقام
وقد تدخلهم الشياطين والوسواس عن طريق الاقلام.. وعلم الحِساب
الكاتب: وما دَخل الحساب بالشياطين..
الشياطين يا مولاي لا تدخل سوى النفوس الضعيفة
الشيخ: صدقت.. لان الحساب يضعف النفس ويشغلها بالأرقام عن ذكر الله ورسوله خير الانام فتصبح نفوس الكتاب متعلقة بالأقلام لا برب الأنام..
الكاتب: والله لا افهم هذا الربط.. ولا استسيغ هذه الأراء السطحية
الجزار: دعه يكمل ايها الكاتب
لماذا تقاطعه
ألأنه يقترب من كشف ما اجهله عنك؟
الكاتب: والله يا مولاي
انا لا اخفي عنك شيئاً
وكل ما اقوم به واعمله مُدَّوَن في سجلاتكم بالدرهم والمليم
وان كنت تشك باخلاصي للحظة ما
وبدون اي علاقة مع ما يحاول الشيخ من زرع الشك بيننا
هذه رقبتي.. وذاك سيفك..انا لا اشك باخلاصي لك..
اذا شككت انت.. فالحل عند مولاي..
والانسان لا يموت اكثر من مرة..
الجزار: بلى.. والله ان ثبتت خيانتك ايها الكاتب
سأجعلك تموت كل يوم الف مرة..
الكاتب: اذن يا مولاي الجزار بدأت تشك بوفائي؟
الجزار: لا ليس بعد ولو كان نعم.. لما كنت تجلس الأن بيننا
ولكن دع الشيخ يكمل
الكاتب: يكمل ماذا.. وكل ما سمعته منه حتى الأن ما هو إلا هُراء وسخافات واساطير لا يرجو منها إلا ان يوقع بينك وبين اعوانك.. لغايةٍ في نفسه
الشيخ: اسمعت يا مولاي اسمعت؟..
اذا كان مخلصاً لك ووفياً لما أمنته عليه
ما سبب خوفه من اقوالي.. ومن الكرامات التي تكشف لي اسرار الناس..
الكاتب: اي كرامات يا شيخ.. عن أي كرامات تتحدث
ويعلم الله كم انت بعيد عن دينه الحق..
ويعلم الناس كذلك عن هذا المكر والخبث الذي يحمله صدرك
والذي من العيب ان يجتمع مع ما تدعيه من ايمان ودين..
الشيخ: لا انا لا اقبل.. كيف تهينني وبحضرة مولانا الجزار
والله ان مولاي الجزار كان سيفصل رأسك هن جسدك
لولا انني توسلت به قبل ان تأتي
توسلت به ان يعفو عنك..
كلنا خطاؤون وخير الخطائين التوابين
تُب الى الله ايها الكاتب.. تب فان الله ومولاي الجزار يقبلان التوبة الصادقة
الكاتب: يا إلهي لا اصدق ما اسمع.. لا اصدق
كيف تجمع بهذا المخلوق كل هذا الكم المخيف من النفاق
كيف وانت باسم الدين تشوه الحقائق وتقذف الناس بالمكائد والمصائب..
كيف ستلاقي الله؟؟..
الشيخ: اعوذ بالله.. انه يكاد يتهمني بالكفر..
انا الشيخ.. من لا يغفل عن الذكر والتسبيح
يحاول هذا الكاتب ان يرمني بالكفر..
الكاتب: تُب الى الله..
تُب الى الله يا شيخ وعد الى رشدك
ألم تقرأ بكتاب الله: )إن تُصِبكَ حَسَنةٌ تسؤهم وان تصبكَ مصيبةٌ يقولوا قد أَخَذْنا أَمْرَنا من قبلُ ويتوَلوا وهم فرحون. قُل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا هَوَ مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون(
هذه الآيات يا شيخ من سورة التوبة
فتب الى الله
انه قابل التوبة
ألا تعلم ان الله يعلم سرك ونجواك... وان اللهَ علامُ الغيوب
الجزار: “وقد استساغ هذا الجدل والمحاولة من كليهما ان يثبتا له ولاءَهما واخلاصهما.. يضرب على يده بعصاه..”
أرى ان حبل المشنقة بات يقترب من عنق أحدكما
منك يا شيخ
او من الكاتب
اغلب الظن.. ان حبل المشنقة بات يقترب من عنقك ايها الكاتب الامين
لقد امنتك على خزائن مالي
لقد وهبتك من الثقة ما لم اهبه لاحد من قبل
الكاتب: اشهد يا مولاي اشهد انك وثقت بي
واشهد واحمد الله انني فعلت ما بوسعي
لاكون عند حسن ظنك..
ويشهد الله انني كنت الحريص وكنت الوفي ولم أخن
الجزار: هذا ما بت اشك به..
انها لخسارة كبرى.. ان تخسر ثقتي بك..
ان الامرَ... سيكون صعباً.. صعباً جداً..
الشيخ: لا يا مولاي الجزار ان الله يقبل التوبة..
الجزار: لا يا شيخ.. انها خيانة
الكاتب: اعوذ بالله.. اعوذ بالله..
ارى بحبل المشنقة يلتف حول عنقي.. لا لامرٍ..
وانما بسبب هذا المخلوق المنافق
الذي لا شغل يشغله سوى تدبير المكائد وزرع الشك في النفوس
يا إلهي.. لا اصدق ما ارى واسمع
الجزار: هات يا شيخ ما عندك
وسيكون عليك انت يا كاتبي الامين تفنيد ما يقوله الشيخ بالحجة والبرهان..
وإلا.. اقسم بالله.. انني سأجعل منك عبرةًّ لمن لم يعتبر
الكاتب: يا إلهي لا اصدق..
كيف استطاع هذا المخلوق ان يقلب الامور بهذا الشكل
كيف وهو لا يحمل بقلبه ذَرة من الايمان
ولا تربطه بالمشيخة إلا هذه اللحية الزائفة
الشيخ: لا.. بت لا اطيق..
لا انه يهينني وينتقص من قدري وديني.. وبحضورك يا مولاي الجزار
انها زندقة.. انها فتنة
الكاتب: نعم ما تقوم به يا انت ما هو إلا فتنة وزندقة
أسأل الله ان يكشفك على حقيقتك امام مولاي الجزار
الجزار: أمامي قضية بالغة الخطورة..
عليَّ ان اكشف أسرارها..
أحدكما عند الغد سوف يكون فوق حبل المشنقة
من منكما.. هذا ما سأعرفه..
حتى هذه اللحظة.. انت ايها الكاتب هو من أشك بخيانته
الكاتب: ولكن يا مولاي..
لكل مجرم جريمة
ولكل قاتل ضحية..
ان كنت مجرماً فما هي جريمتي وان كنت قاتلاً فاين ضحيتي
الجزار: هذا ما سيكشفه لنا الشيخ..
الشيخ الذي يطير فوق اجنحة الملائكة.. من مشرق الارض الى مغربها
يرى ويسمع دون حجاب
الشيخ الذي انكشفت امامه الاسرار
هو من سيفضح امرك ومن سيكشف ما كنت تخفيه طيلة هذه السنين
تفضل يا شيخ..
الشيخ: “وقد شعر ان الامور اخذت منحنى ابعد مِمَ أراد فهو قد خطط لان يكون المقرب من الجزار المتنعم بنعمه. بدأ يشعر بخطورة الموقف وبأنه سيزهق روحاً دونما ذنب”
مهما يكن يا مولاي الجزار فانت طيب القلب..
بك من الكياسة والفطنة وبك من العفو ما قد يحسدك عليه الكثيرون
حين تحملني الملائكة على اجنحتها الطاهرة واجوب البلاد شرقاً وغرباً
اسمع الناس يتحادثون.. ويتناقلون.. ويتفاخرون
بتلك النِعم الكثيرة التي انعمها الله على مولانا الجزار
فوهبه من القوة والشجاعة والحزم والعزم ما لم يهب سواه
حتى بات العجم يخشونَه ويفرون منه كما تفر الشياه من الذئب
وولاه على ارض بها من القدسيه الكثير ليس إلا لانه من الصالحين المؤمنين
بالامس عندما هبط الملاك بيَّ في سمرقند.. واهداني حاكمها الصالح خاتماً
الذي قدمته لك يا مولاي
قال لي ابلغ مولانا الجزار عنا السلام وقل له..
بكم تدوم النِعَم وبكم ترتفع الهمم
الكاتب: ومالي انا وهذه الحكايات يا مولاي الجزار
هو يجوب العالم على اجنحة الملائكة كل ليله.. وما شأني انا بذلك؟
قل له.. قل له.. ان يخبرك
ان هو رآني اختلس درهماً او اخون أمانةً او اي شيء..
اي شيء يشكك باخلاصي لك.. يا مولاي
الجزار: سيكشف لنا الشيخ كل شيء
انا على ثقة بصدق احاديثه.. وأنا اصدق كل الكرامات التي تحصل للشيخ
اما انت ايها الكاتب فسوف تذهلك الحقيقة..
انك خائن ايها الكاتب..
الكاتب: اي حقيقة يا مولاي؟
الجزار: ان الشيخ يرى ويسمع دبيب النمل في الظلمات
لقد انكشفت امام عينيه حقائق الكون
تفضل يا شيخ.. حدثنا..
الشيخ: قبل بضعة ايام كنت في انطاكية.. وبينما الملاك يطير فيَّ فوق الجبال والغابات..
وإذا ببريق يلمع من بين الصخور
قلت للملاك اهبط.. واذا بكنز من الذهب.. حملته وعدنا لنمضي
وحين اقتربنا من اطراف المدينة سمعت بكاءً.. بكاءً مُراً..
قلت للملاك.. اهبط مرة اخرى.. وإذ بعشرات الايتام يبكون جوعاً..
فعرفت ان هذا الكنز كان لهم وسرقه الاشرار..
فاعدته إليهم وفرحوا به فرحاً كبيراً
الجزار: ما شاء الله.. ما شاء الله.. اكمل يا شيخ
الكاتب: وهل يرى مولانا في الظلام؟؟
الشيخ: نعم ارى في الظلام كما في النهار
الجزار: اكمل يا شيخ
الكاتب: حدثنا يا شيخ كيف يبدو الملاك.. وكيف تكون اجنحته؟؟
الشيخ: انه سر.. انا لا ابوح بالاسرار..
لكن اجنحة الملائكة من النور.. وكل ريشة تكون بالف لون
مهما حدثتكم لن تدركو سر هذا المخلوق..
انه ما لا عين رأت ولا خطر على بال بشر
الجزار: نعم اكمل يا شيخ..
كيف توصلت إلى خيانة الكاتب
الشيخ: انها النفس يا مولاي الجزار
النفس أمارة بالسوء
وانا ارى واسمع كل شيء..
الكاتب: “وقد خطرت بباله فكره.. قد تخلصه من هذه الورطة”
اذن يا مولاي الجزار..
افهم ان الشيخ قد رآني وسمعني وانا اختلس الاموال
الجزار: ها انت تعترف.. بالاختلاس
انها خيانة ايها الكاتب
الكاتب: هل رأيتني ايها الشيخ؟
الشيخ: قاتَل اللهُ الطمع
أنها النفس.. النفس امارة بالسوء
الكاتب: اذن انت يا شيخ تشهد امام الله والجزار
بانني قد خنت الامانة
واذا كان الامر كذلك.. والشيخ يرى ويسمع ويطير ويجوب البلاد
من الشرق الى الغرب بلمح البصر
فقبل ان اعترف بخيانتي يا مولاي الجزار
لي طلب واحد فقط
الجزار: اذن انت تعترف بالخيانة؟؟
اذن انت خائن
لقد صدقَ الشيخ..
الشيخ: انها النفس يا مولاي.. النفس امارة بالسوء..
الجزار: عليك اللعنة..
سأقطع رأسك الآن
الكاتب: لا يا مولاي الجزار.. لقد قلت ان لي طلب قبل ان اعترف بخيانتي
الجزار: طلب.. لا.. لن اقبل اي طلب.. ستموت بالحال
الشيخ: وما هو طلبك ايها الكاتب
الكاتب: طلبي من مولاي الجزار..
الجزار: لا.. بل سأجعلك عبرة لمن لم يعتبر
كنت اشك باخلاصك وامانتك لكنني ما كنت املك الدليل
كان علي ان اقتلك لمجرد الشك
إلا انني قلت.. ان مهارتك تفيدني.. لكنني كنت على خطأ
الكاتب: اتوسل اليك يا مولاي..
ان تهبني يوماً واحداً.. ومن ثم تقطع رأسي، تشننقنني.. تصلبني
لا يهم.. اعدك بان اكون بين يديك
لا اطلب سوى يوماً.. واحداً
الشيخ: انه طلب بسيط يا مولاي الجزار..
لقد اعترف بذنبه..
انا اكفل عودته..
الجزار: غريب امرك ايها الشيخ.. كيف تكفل عودته.. وانت من كشف حقيقة خيانته..
واذا هرب؟؟
الكاتب: كيف اهرب يا مولاي والشيخ وبلحظة واحدة ومن فوق اجنحة
الملائكة سيكشف عن مكاني .. وياتي بيَّ مكبلاً ذليلاً..
اقسم بشرفي لن اهرب
الجزار: تقسم بشرفك .. وهل للخائن شرف؟؟
الكاتب: اقسم بالله يا مولاي..
سأخرج الآن ولبضع دقائق.. وبعدها سأرجع
سأتيك بدليل على خيانتي
ومن ثم تهبني يوماً واحداً..
وبعده سأكون عندك.. تشنقني.. تقطع رأسي.. لا يهم..
لقد صدق الشيخ..
لم اكن اعرف ان هناك احد غير الله.. يعلم بكل شيء..
الجزار: انك امام الجزار ايها الكاتب
اذهب..
لك كما طلبت
ولكن اياك ثم اياك.. ان تفكر بان تخلف وعداً وعدته للجزار
الكاتب: معاذ الله يا مولاي..
“الكاتب يخرج خائفاً مذعوراً” سأعود في الحال يا مولاي
الجزار: اما انت ايها الشيخ الفاضِل
فاريد منك.. ان تخبرني عن كل صغيرة وكبيرة
انك ترى ما لا نرى وتسمع ما لا نسمع
وسأغدق عليك الكثير من الهبات والهدايا حتى تغرق في نعيم لا اول له ولا آخر
الشيخ: ادام الله مولاي الجزار
الجزار: لقد صدقت يا شيخ.. لقد إعترف بخيانته
الشيخ: انها النفس يا مولاي.. لعن الله النفوس الضعيفة
الجزار: اطلب يا شيخ.. اطلب ما تتمنى
سأجعلك من المقربين مني..
وستكون انت موضع سري وثقتي ومعزتي
الشيخ: بارك الله بمولاي الجزار واطال بعمره..
ما انا يا مولاي إلا خادمكم الامين
يسرني ما يسركم.. ويضرني ما يضركم..
الجزار: “يخرج كيساً من النقود ويلقي به للشيخ” خذ.. خذ يا شيخ
انك تستحق كل هذا..
الشيخ: اطال الله عمر مولاي الجزار وادام نعمه
الجزار: ألا تخاف ايها الشيخ من السقوط عن اجنحة الملائكة
وهي تطير بك بالظلمة وتجوب بقاع الارض من مشرقها لمغربها
الشيخ: انها حقيقة الايمان..
انه القلب العامر باليقين..
آه.. لقد نسيت
عليَّ ان اذهب الآن.. انني على موعد مع الملائكة
سنُسافر الليلة الى مكة.. ومنها الى اسطنبول ان شاء الله
الجزار: يا لك من محظوظ
يا لك من محظوظ..
الشيخ: سأصلي باذن الله العشاء في مكة
وسأصلي الفجر بعون الله باسطنبول..
الجزار: لا تنساني من دعائك يا شيخ..
الكاتب: “يدخل الى المكان وتبدو عليه علامات الخوف والرهبة إلا انه يتمالك نفسه ويبدو هادئاً”
السلام على مولاي الجزار وعلى شيخنا الصالح
الجزار: اجلس هناك بعيداً..
الشيخ: ارفق به يا مولاي الجزار
انه آخر يوم بعمره..
الجزار: لن ارفق بمن خان الامانة
الكاتب: اسمح لي يا مولاي الجزار ان اقدم لك دليل خيانتي
الشيخ: أيأمرني مولاي الجزار قبل رحيلي بشيء؟
الجزار: ابقَ قليلاً يا شيخ لا اريد ان اكون مع هذا الشخص
الذي بت امقته لوحدي..
اخاف ان اقتله قبل الموعد الذي قطعته على نفسي
الشيخ: ولكن كما اخبرتك يا مولاي.. فان موعدي مع الملائكة يقترب
الجزار: هات ما عندك ايها الكاتب
الكاتب: “يخرج من جيبه مسبحة”
هذه المسبحة يا مولاي هدية مني لك.. قبل ان اموت
هذه المسبحة الفريدة التي لم تقع العين على اثمن منها او أجمل..
قلت لنفسي اقدمها هدية لمولانا الجزار قبل موتي..
الجزار: “يُقلب المسبحة بين يديه”
انها حقاً مسبحة جميلة
لم ارى مثلها في حياتي قط.. “يمد يده ويناول المسبحة للشيخ”
الشيخ: “واقفاً يهم بالمغادرة، يتناول المسبحة ويقلبها”
يا إلهي.. ما هذا انها مسبحة ناقصة!!!
مسبحة ناقصة!! اين الشاهدان والمئذنة؟؟!!
كيف تجرؤ ان تهدي مولانا سبحة ناقصة
هل دين مولانا ناقص؟.. هذا استخفاف بهيبة الجزار وسلطانه
الجزار: ماذا..
مسبحة ناقصة..
الكاتب: نعم يا مولاي..
لقد فكرت ايضاً في هذا
عندما وجدت السبحة على حالها هذه قلت في نفسي..
هذه مسألة بسيطة حلها عند سيدنا الشيخ الذي يفر الدنيا كل ليلة..
الرجل الذي صنع المسبحة يقيم في مكة وهذا عنوانه على هذه الورقة..
ما على الشيخ إلا ان يخطف نفسه هذه الليلة
ويطلب من ذاك الصانع الماهر ان يصنع له الشاهدين والمئذنة..
هو وحده بامكانه ان يصنعهم بمثل هذه الدِقة والاناقة..
الجزار: نعم نعم..
لقد حدثني الشيخ انه سيسافر هذه الليلة على اجنحة الملائكة الى مكة
ايها الشيخ ابحث عن ذاك الصانع.. ها هو عنوانه
واحضر لنا الشاهدين والمئذنة
الشيخ: “وقد ادرك ان الامر يخفي بين طياته دهاءً ومكراً”
نعم نعم..
هاتِ المسبحة
وسيكون كل شيء على ما يرام..
الجزار: اريدك غداً بعد صلاة الفجر عندي ايها الشيخ
الكاتب: لا تتأخر يا مولاي الشيخ..
ولا ترجع إلا مع الشاهدين والمئذنة..
اريد ان يقبل الجزار هديتي كاملة قبل موتي
الشيخ: “وقد ارتبك بعد ان فهم عمق الورطة التي تحيط به”
نعم نعم
ان شاء الله..
الجزار: موعدنا.. صباح الغد ان شاء الله يا شيخ
الشيخ: بعونه تعالى
الكاتب: اطلب من مولاي الجزار ان يتمعن المسبحة ويتفحصها بدقة..
فهي مصنوعة من الكارب.. ومطعمة بالفضة والذهب
واظن ان لا مثيل لها على وجه الارض
الجزار: هاتها يا شيخ ودعني أتأملها مرةٌ اخرى
الشيخ: “لا زال مذعوراً من هول الموقف الذي احاط به، يناول المسبحة للجزار”
انها حقاً جميلة “يرمي الكاتب بنظرات حاقِدة”
الجزار: انها حقاً جميلة.. آية في الجمال
الشيخ: ولكن يا ايها الكاتب اظن انك خرجت لتأتي بدليل خيانتك
ما شأن هذه المسبحة بالخيانة
الكاتب: هذه المسبحة هي الدليل
الجزار: وكيف؟
الكاتب: هذا ما سأكشفه امام مولاي الجزار صباح الغد
عندما يعود الشيخ ومعه المسبحة كاملة
مع الشاهدين والمئذنة
الجزار: فليكن.. انا اعطيتك عهداً ان لا اقتلك إلا صباح الغد
فلننتظر ونرى
وعندما يعود الشيخ بالمسبحة كاملة
ستكون انت ايها الكاتب جسداً يلوح فوق حبل المشنقة
الشيخ: “وقد تبدل لونه وارتعدت مفاصله من حجم المكيدة التي المت به”
سيكون كل شيء وبعون الله على ما يرام
اما أنا فعلي الذهاب..
موعدنا اليوم مع الملائكة الى مكة واسطنبول
الجزار: مع السلامة يا شيخ
موعدنا صباح الغد
الكاتب: اتمنى لك سفراً ممتعاً وموفقاً يا مولاي الشيخ
الفصل الثاني - المشهد الاول
“الشيخ يقف حائراً في غرفة خافتة الضوء.. يبدو قلقاً مرتابا يسير باطراف المكان ببطئ وحيرة”
يا الهي ماذا افعل
لقد اوقعني هذا الكاتب اللعين..
لقد حفر لي حفرة لن اخرج منها ابداً
كيف يمكنني ان اتخلص من هذه الورطة
لقد صدق الجزار كل اقوالي.. لم يشك ابداً بصدقي
انه الكاتب.. انه الكاتب.. اريد ان اراه معلقاً فوق حبل المشنقة
اريد ان التذ وانعم واحصل على حب الجزار لوحدي
ما كان امري لينكشف لولا الكاتب.. انه ملعون وداهية
اما الجزار فعلى الرغم من بطشه وقسوته.. فانه انسان بسيط وغبي ايضاً..
كان بامكاني ان اجعله كما الخاتم باصبعي
يا إلهي..
اريد ان يأتي الصباح
واريد ان ارى الكاتب وقد طار رأسه عن جسده..
ولكن كيف؟؟ وانا انا من سيشنقه الجزار ان اكتشف ألاعيبي وكذبي
من اين سأعثر لهذه المسبحة على شاهدين ومئذنة
من اين وهذه المسبحة نادرة.. لم ارى مثلها بحياتي قط
ماذا لو اعترفت لمولاي الجزار وقلت له سامحني يا مولاي
سامحني.. ان حكايتي مع الملائكة كانت مجرد دعابة
اردت من خلالها ان اقصص عليك اخبار الناس..
وانني شعرت بانك تحب هذا النوع من الحكايات
وعندها وجدت نفسي اختلق لك الحكايات الجميلة التي
لا.. لا.. انه الجزار
انه لا يرحم..
والله لو قلت له ذاك.. لطار رأسي عن جسدي بتلك اللحظة..
انا اعرفه..
انه لا يعرف الرحمة
لقد بنى سور عكا على الاجساد والجماجم
انه لا يتورع ان يفعل بيَّ اي شيء..
سيجعلني طعاماً للطيور والكلاب..
يا إلهي ماذا افعل..
لعنة الله عليك ايها الكاتب
اشعر بحبل المشنقة يشتد حول عنقي..
اكاد لا استطيع ان التقط انفاسي.. لعنك الله ايها الكاتب
لا.. بل لعنني أنا..
الكاتب لم يفعل اي شيء ضدي..
بل انا من آحاك المؤامرات والدسائِس حتى اوقعت به
ماذا لو رحت الى الكاتب..
واعترفت له.. لا بد ان الحل عنده..
ولكن ماذا سيقول لي بعد ان اوصلته الى حبل المشنقة
لعنك الله ايها الكاتب من اين اتيت بهذه السبحة الغريبة
يا الهي.. كم هي جميلة
من اين حصل عليها هذا اللعين
ان هذه المسبحة ستقتلني
إنها ستقتلني!!! “يرفعها امام رأسه”
انها تُشبه حبل المشنقة
يا الهي..
انها تشبه حبل المشنقة
آه.. وجدتها.. وحق الله وجدتها
يا الهي كيف لم افكر بذلك من قبل
انها مسئلة سهلة وبسيطة..
كيف لم يخطر ذلك ببالي من قبل؟
ياه.. انني عبقري وداهية..
نعم انا عبقري.. وسيكون الجزار ملكي ملكي..
سأنعم بنعمه واتطيب واهنأ بكل ما سيغدقه عليَّ من اموال
سأكون رئيس ديوانه وستكون بيدي مفاتيح خزائنه..
إنها قضية سهلة
فانا عندي عشرات المسابح الجميلة والنادرة
سأفك من احداها الشاهدين والمئذنة وادخلها الى مسبحة الكاتب
وبهذا ستحل المشكلة
وسآتي صباحاً.. واقول له اسعد الله صباح مولاي الجزار
لقد وصلت لتوي من مكةَ.. لم اسافر الى اسطنبول
بل بقيت طيلة الليل بمكةَ عند صانع المسبحة
وقلت له اسمع ايها الصانع..
ان احد الاشقياء اهدى مولاي الجزار هذه السبحة النادرة
والتي صنعتها انت بيديك
ولكنها كانت ناقصة
وانا اخذت على نفسي أن آتي بها اليك..
اريدك حتى الصباح ان تصنع لي الشاهدين والمئذنة..
لن اعود لمولاي الجزار إلا بالمسبحة كاملة..
فقال لي: حياك الله يا شيخنا
وحيا الجزار صانع مجدنا..
وبقي طيلة الليل يشتغل
الى ان فرغ وجاء عمله متقناً.. غاية في الروعة والجمال
إليك السبحة الكاملة يا مولاي الجزار
وعندها سيستل الجزار سيفه ويطير رأس الكاتب
اما انا.. فسيقذف الي بكيس من المال وبكيس آخر من الذهب
وبكيس آخر من المجوهرات..
وسأكون اسعد اهل الارض وأغناهم
“الشيخ يخرج صندوقاً به مجموعة من المسابح ويبدأ بمقارنتها مع المسبحة”
يا الهي.. لا أجد حتى سبحة واحدة تشبهها..
ما العمل..
لعنك الله ايها الكاتب.. من اين جئت بهذه السبحة اللعينة
ثم لماذا ابحث عن حل لهذه المشكلة
لماذا لا آخذ هذه المسبحة الكاملة الى الجزار.. انها ايضاً جميلة
سأقول له هذه هي المسبحة
لا.. لكنه تمعن بها كثيراً.. وسيكتشف انها ليست مسبحة الكاتب
يا الهي.. لا اجد حلاً..
ان نهايتي اقتربت..
الحل هو عند الكاتب.. لماذا لا أذهب اليه..
انه هو الذي يخفي الشاهدين والمئذنة..
وانه هو الذي دَبر لي هذه المكيدة..
سأدفع له مالاً كثيراً.. لقد اعطاني الجزار مالاً كثيراً..
سأقول له..
ايها الكاتب الأمين
اعدك ان اقلع عن كل عاداتي السيئة..
اعدك ان اذكرك بالخير عند مولانا الجزار
ارجوك اتوسل اليك.. خلصني من هذه الورطة
لانني شيخ مسكين.. لم تكن لدي اي وسيلة تقربني من الجزار وتجعله يغدق الاموال علي إلا تلك الوسيلة التي جعلتني ابدو بنظره من الاولياء الصالحين..
هناك الكثيرون من الشيوخ غيري من الحافظين والعلماء والفقهاء
ولو لم افعل ما فعلت لاستبدلني بعشرة غيري
ولكنت سأهيم على وجهي في البلاد واعيش كغيري من الشيوخ
على الصدقات والموالد وفضلات الناس
أيرضيك ذلك ايها الكاتب..
سأبكي له قليلاً ربما رق قلبه لحالي
وسأقول له.. قاتلَ الله الطمع
اعدك ايها الكاتب ان اتوب على يديك
وسأعمل على ما يرضي الله سأكون مثلك
قليل الكلام كثير العمل
لا أتدخل بأي شأن لا يعنيني
سأكون انساناً آخراً
لن أنافق ولن اكذب ولن احسد ولن اكيد المكائد
ارجوك يا سيدي الكاتب
اعطني الشاهدين والمئذنة
ارجوك
يا إلهي.. كيف سيعطيني الكاتب الشاهدين والمئذنة
وان هو اعطاني سيكون الموت مصيره عند الجزار
انها مشكلة
انها مشكلة كبيرة وعويصة
كيف لم آخذ كل هذه الاشياء بالحسبان
ياه.. كم انا غبي ومتسرع
لقد قلت للجزار انني سأسافر الليلة على اجنحة الملائكة
الى مكة والى اسطنبول
ماذا لو ارسل الجزار حراسه وعيونه ليراقبوني
لا شك ان الشك دخل قلب الجزار
لا شك انه ارسل من يراقبني
اشعر ان احداً .. هناك في الخارج
نعم..
بالتأكيد انهم يراقبونني
وسيخبرون الجزار بأني كنت طيلة الليل في منزلي
ولم اغادره قط
عليّ ان اتظاهر بأنني قد سافرت
“الشيخ ينظر عبر النافذة الى الخارج، ان العتمة شديدة”
اقسم بانني ارى اناساً في الخارج
انهم بلا شك يراقبونني
عليَّ ان اخفت الضوء.. ان الذي بالعتمة يرى من هو بالضوء
“الشيخ يخفت نور المصباح في الغرفة”
عليَّ ان اتظاهر بأنني مسافر
“الشيخ يصرخ بصوت مرتفع كي يُسمع من يظن انهم في الخارج”
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
السلام على ملائكة الرحمن
لقد تأخرت قليلاً.. وخشيت ان تكون قد نسيت موعدنا
اقترب اكثر.. يا الله كم انت جميل
كل ريشة بألف لون
اقترب اكثر كي اصعد.. ومن ثم نطير الى مكة
الى مكة ايها الملاك.. الى مكة
“الشيخ يعود لينظر عبر النافذة الى الخارج ويعود لترديد تلك العبارات التي توحي لمن يظن بانهم يراقبونه بانه يكلم الملائكة قبل بدء رحلته”
ارجوك ان تطير باقصى سرعة الى مكة
“الشيخ يفتعل ضجيجاً وكان الملاك بدأ يطير”
لا تنطلق.. نسيت السبحة
اظن انهم سمعوا..
لا بد انهم سمعوا.. وسيخبرون الجزار انهم سمعوا..
والآن علي ان اختفي قليلاً في زاوية مظلمة
نعم علي ان اختفي.. وافكر بمصيري البَائِس وبهذه الرأس التي ستطير عن جسدي عند الغد
يا الهي ارجوك ساعدني
اريد ان اتوب عن كل ذنوبي ومعاصي.. اريد ان أتوب
“تسمع طرقات على الباب
الشيخ يرتجف خائفاً في الزاوية المظلمة”
انهم حراس الجزار.. جاءوا للتأكد من وجودي
لن ارد عليهم
لا شك انهم سمعوني اكلم الملاك
وجاءوا ليتأكدوا.. ماذا افعل؟
“الطرقات فوق الباب تزداد قوة.. ومن ثم صمت”
يا الهي انهم هم.. لن افتح
هنالك بعض الساعات حتى الصبح لماذا يريدون قتلي الأن
اريد ان اعيش..
لماذا يريدون لي الموت.. بعد ان صرت املك المال
وبأمكاني ان اعيش بقية عمري دون ان أمد يدي
ودون ان اذل نفسي واتاجر بالتجارة الخاسرة..
اتركوني اعيش
“الطرقات فوق الباب تعود بقوة ويخلفها صمت”
ما هذا الكابوس؟!..
انه كابوس
لا يمكنني ان احتمله اكثر
سأفتح الباب وليكن ما يكون..
لا احتملُ..
انني سأموت..
يقترب من الباب ويلتصق بالباب ليصغي للطارق..
لا بد انهم ذهبوا..
سيخبرون الجزار ان لا احد في البيت
وانهم سمعوني اكلم الملاك ومن ثم اختفينا في ظلمة السماء
نعم.. لقد ذهبوا..
الحمد لله.. لقد ذهبوا..
“ما ان يبتعد عن الباب قليلاً حتى يعود الطرق”
سأفتح!! لا!! بل سأفتح
“الطرق يعود فوق الباب.. وصوت يأتي افتح انا الملاك جئت احملك الى مكة
الشيخ يقف الى جانب الباب مذعوراً خائفاً وبعد تردد شديد يفتح الباب واذا بالكاتب”
الشيخ: ارجوك..
اتوسل اليك.. ساعدني
الكاتب: أنا.. وكيف لي ان أساعدك؟
انا جئت اودعك.. لانني سأموت غداً..
قلت لنفسي.. قبل الموت لا بد ان اودع الاحباب والاصحاب
وعندما وقفت عند بابك.. وقد وقفت طويلاً[/align]
تعليق